* سوريا تقفز بصادراتها 39 في المئة بعد سقوط النظام محققة 500 مليون دولار خلال 6 أشهر
الخبير السوري:
استحوذت المنتجات الزراعية على نحو 64 في المئة من إجمال الصادرات السورية خلال النصف الأول من العام الحالي.
خلال وقت وصفت فيه أوساط تجارية في العاصمة دمشق الواردات التي دخلت إلى سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد بـ”المخيفة والخطرة”، قالت إحصاءات رسمية إن الصادرات السورية خلال النصف الأول من عام 2025 حققت نمواً بنسبة 39 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024، بقيمة وصلت إلى 500 مليون يورو (587.60 مليون دولار)، وتوجهت إلى 90 بلداً حول العالم.
وبحسب الإحصاءات، استحوذت المنتجات الزراعية على نحو 64 في المئة من إجمال الصادرات، أي ما يزيد على 320 مليون يورو (376.07 مليون دولار)، وشملت أبرز المنتجات الخضراوات والفاكهة الطازجة والزعتر والمجففات والحبوب، والزيتون وزيت الزيتون، والبيض والأغنام التي تمثل 18 في المئة من الصادرات الزراعية، وتصدير نحو 38200 رأس حتى منتصف العام، منها 37000 رأس إلى السعودية و1200 رأس إلى الأردن، مما يجعل سوريا الأولى عربياً والخامسة عالمياً في هذا المجال.
وحققت الصناعات الغذائية وحدها ما يقارب 60 مليون يورو (70.51 مليون دولار) بنسبة 17 في المئة من الصادرات الصناعية، في حين بلغت حصة الصناعات الكيماوية 47 في المئة من الصادرات الصناعية والنسيجية 15 في المئة بفاتورة بلغت 80 مليون يورو (94.02 مليون دولار)، بينما بلغت صادرات الأحذية نحو 3 آلاف طن بقيمة قاربت 10 ملايين دولار، وأهم الأسواق التي توجهت إليها هي العراق ولبنان والخليج وتركيا ورومانيا وأوروبا الشرقية.
وبالنظر إلى التركيبة التصديرية نلاحظ الاعتماد على المواد الخام، وبخاصة “الفوسفات” بصادرات بلغت 140 ألف طن مع الإشارة إلى أن سوريا تعد من أكبر خمس دول منتجة للفوسفات عالمياً باحتياط يقدر بـ2.1 مليار طن.
ورغم أن العجز التجاري عام 2010 بلغ 6209 مليارات دولار بصادرات 11.353 مليار دولار وواردات 17.562 مليار، فإن صادرات عام 2025 لا تمثل سوى 5.11 في المئة من صادرات عام 2010، مما يعني أن الفجوة هائلة حتى مع افتراض نمو الصادرات خلال النصف الثاني من هذا العام.
الواردات خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب
محمد حلاق عضو غرفة تجارة دمشق أكد أن الفارق شاسع بين الواردات والصادرات مما يشكل خطراً حقيقياً على ميزان المدفوعات التجارية ويؤثر في الاقتصاد ككل، مؤكداً أن الأمر يحتاج إلى وقت حتى تتوازن الاستهلاكات بحسب الحاجات والقوة الشرائية وكمية السلع المتوافرة بين محلية ومستوردة. وأشار إلى أن المستهلك السوري بدأ يميل إلى المفاضلة بين المستورد والوطني، ولكن للأسف دائماً القدرة الشرائية هي المتحكمة وغالباً ما تميل نحو السلع الأرخص والتي تتجلى في السلع الصينية. وأضاف أن بينما تسجل سوريا ارتفاعاً في الصادرات بنسبة 39 في المئة خلال النصف الأول من العام الحالي، فإن الواردات التي دخلت إلى البلاد منذ سقوط النظام تبدو بأرقام مخيفة، وإذا أضفنا إليها السيارات “التي تجاوزت فاتورتها الـ6 مليارات دولار” فلن يكون بالإمكان حصرها، ولكن يمكن اللجوء إلى مؤشرات لتقديرها.
فإذا كانت واردات سوريا قبل الحرب 18 مليار يورو (21.15 مليار دولار) مع وجود التهريب والخفض في قيم الفواتير، واليوم مع تسديد الفواتير بحسب الوزن لا القيمة أعتقد أن واردات سوريا هذا العام ستكون خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل عام 2011، طبعاً مع الأخذ هنا بأن كميات هائلة من السلع غزت الأسواق السورية ومن كل شيء، وبخاصة خلال الشهر الأول بعد سقوط النظام، وكلها دخلت تهريباً من معابر الشمال لتغطية الجفاف داخل الأسواق السورية، وكلنا يعرف أن حكومات فترة الحرب كانت تطبق سياسة ترشيد متشددة باتجاه الاستيراد.
الحلاق أكد أن أرقام الواردات ستبدو أوضح خلال العام المقبل، متوقعاً أنها ستكون ثلاثة أضعاف ما كانت عليه عام 2010 أي بحدود 60 مليار دولار، أما الصادرات فيمكن أن ترتفع إلى أكثر من مليار دولار مع نهاية العام الحالي، وإلى أكثر من ذلك خلال العام المقبل لو اعتمدت سياسات مشجعة للإنتاج وداعمة للمصدرين. ولفت إلى أن هناك هوة شاسعة بين الواردات والصادرات، ويجب أن يكون لدى الحكومة السورية خطة واضحة لإصلاح الميزان التجاري لأن هناك خطورة كبيرة من التباين الكبير بين الواردات والصادرات. وأكد أن ذلك يحتاج إلى دعم الإنتاج ضمن جميع قطاعاته وإلى نقاش عميق وحقيقي بين الحكومة والقطاع الخاص وبخاصة التجار، لكن أهم ما يجب فعله هو تقوية الصناعة بحيث تصبح الصادرات أعلى وقابلة للنمو بصورة سريعة، وذلك لن يتحقق إلا بتذليل الصعوبات وفي مقدمها ارتفاع كلفة أعباء العمل وخفض أسعار الطاقة ودعم المصدرين، وبخاصة أن المستوردين والمصنعين في سوريا يعانون ارتفاع كلفة الطاقة مقارنة بالدول المجاورة أو غيرها، مؤكداً أن كل الدول الغنية اقتصادياً تعتمد على تعزيز الصادرات لتشكيل اقتصاد قوي، وهذا ما يجب أن تذهب إليه سوريا أيضاً.
الحلاق أشار أيضاً إلى أن البلاد تحتاج خلال الوقت الحالي خطة واضحة ومدروسة لدعم الصادرات من أجل أن تحقق الهدف منها بانتعاش الصناعة، لأن ذلك يؤدي إلى توفير فرص عمل كثيرة ودخل كبير، وتالياً تصبح التجارة أقوى داخلياً وخارجياً.
هيمنة تركية
على رغم سياسة ترشيد الواردات التي اتبعتها الحكومات السورية طوال أعوام الحرب، فإن تركيا ظلت قادرة على إدراج سوريا كدولة مستقطبة لمنتجاتها، فخلال عام 2023 كانت صادرات تركيا إلى سوريا بنحو ملياري دولار في حين بلغت الصادرات التركية إلى سوريا حتى الشهر السابع من العام الحالي نحو 1.9 مليار دولار، بزيادة قدرها 54 في المئة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024 مع ارتفاع حركة الشحن بين البلدين بنسبة 60 في المئة، ومن دون أن يتوقف التهريب وهو بأرقام كبيرة، وفقاً لتجار سوريين أكدوا ضمن السياق ذاته أن الصادرات السورية إلى تركيا متواضعة قياساً بالواردات حتى بعد عودة العلاقات التجارية، وتشير مصادر تجارية إلى أنها لا تتجاوز 147 ألف دولار، وفقاً لوسائل إعلام محلية.
وبينما كانت الصادرات السورية الرسمية إلى تركيا “صفر” خلال الأعوام الماضية، بلغت الصادرات غير الرسمية (تهريب) نحو 100 مليون دولار عام 2023، إذ كان التجار السوريون يلجؤون إلى تهريب منتجاتهم إلى تركيا عبر شمال سوريا لتصديرها عبر ميناء مرسين هرباً من ارتفاع كلفة التصدير عبر ميناء العقبة، وعدم وجود خطوط نقل مباشرة عبر الموانئ السورية إلى كثير من الأسواق المستهدفة كالصين.
ويأتي في مقدمة المنتجات التي كانت تصدر بصورة غير رسمية إلى تركيا ليُعاد تصديرها عبر ميناء مرسين الورق وصابون الغار الذي تشتهر به مدينتا حلب واللاذقية، والجلود التي وصلت صادراتها إلى 8 ملايين دولار، وزيت الزيتون والخيوط الطبية والصوف، والكمون واليانسون وهما من أهم صادرات سوريا الزراعية.
وتشير المعلومات إلى أن كثيراً من المنتجات السورية كانت تصدر إلى تركيا “دوغماً” لتجري تعبئتها وتغليفها في تركيا ومن ثم إعادة تصديرها بمنشأ تركي.
ويرجع تجار سبب ارتفاع التصدير عبر ميناء مرسين إلى بحث التاجر السوري عن الكلفة الأقل، علاوة على أن التهريب يوفر الضرائب وإعادة قطع التصدير الذي كان يخسر التجار أكثر من 10 في المئة من قيمة صادراتهم بسبب فروق سعر الصرف، مما أخرج المنتجين السوريين من المنافسة.
زيادة التبادل التجاري مع كل من الصين والأردن
مع انفتاح الأسواق السورية أمام التجارة الخارجية من دون قيود وبرسوم جمركية مقبولة، ارتفعت الواردات السورية من الصين بصورة كبيرة مقابل صادرات ما زالت توصف بالمحدودة. وبلغ حجم الواردات السورية من الصين وفقاً لـ”موسوعة المصدر السوري” 1.1 مليار دولار مقابل مليون و600 ألف دولار للصادرات.
وتتوقع مصادر تجارية أنه بينما يبدو التحسن في الصادرات متواضعاً فإنه يتوقع أن تكون المستوردات من الصين تضاعفت ثلاث مرات في الأقل منذ سقوط النظام البائد، إذ بدأت تنتشر متاجر متخصصة في بيع المنتجات الصينية الرخيصة على نطاق واسع وداخل مختلف المدن السورية، مستغلة ضعف القوة الشرائية وتعطش السوق للسلع الأجنبية “المقلدة”.
ووفقاً لدائرة الإحصاءات العامة الأردنية، صعدت الصادرات الأردنية إلى سوريا بنسبة 405 في المئة مسجلة 149.2 مليون دولار، مقابل تصدير سوريا ما قيمته 64.8 مليون، أي بعجز يقارب 84.4 مليون دولار، وبحسب مصادر تجارية داخل دمشق فإن الصادرات السورية إلى الأردن تتركز في المنتجات الزراعية والغذائية والصناعات النسيجية.
في حين أوضحت بيانات التجارة الأردنية أن الصادرات الأردنية إلى السوق السورية تتركز في الصناعات الإنشائية ومواد البناء إلى جانب المعدات الكهربائية، فضلاً عن الصناعات الغذائية والزراعية والمنتجات الكيماوية.
واردات كثيرة وقوة شرائية ضعيفة
وسط انتقادات واسعة لاعتماد اقتصاد السوق الحرة من دون تحضير مسبق، تعج الأسواق السورية بالسلع المستوردة التي أتت من كل حدب وصوب، وبخاصة من الصين وتركيا والخليج “التي كانت المصدر الرئيس للسيارات إلى سوريا”.
وتقول مصادر تجارية في العاصمة دمشق إن السلع المستوردة تكفي لأعوام مقبلة ليس بسبب زيادة كمياتها فقط لكن بسبب انخفاض القوة الشرائية للمواطن السوري، الذي يركز على تأمين الحاجات الأساس وبخاصة مع ارتفاع كلفتها.
وفقاً لـ”مؤشر قاسيون”، ارتفعت كلفة معيشة أسرة سورية مكونة من خمسة أفراد، وبلغ متوسطها نحو 11.3 مليون ليرة سورية (نحو ألف دولار شهرياً)، فيما قدر الحد الأدنى لكلف المعيشة بـ7.1 مليون ليرة، ما يعادل 630 دولاراً تقريباً.
وبحسب الأمم المتحدة، فإن الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي بلغت نحو 800 مليار دولار منذ عام 2010، بالتالي فإن أي نمو في الصادرات لا يأتي من إضافة طاقات إنتاجية جديدة وكبيرة، يعني نزفاً للموارد المحلية عبر تصدير المتاح منها بقيم مضافة متدنية.
وبينما لا يزال الاقتصاد السوري يمر بمرحلة مخاض فإن البنك الدولي يتوقع له أن يتخلص من انكماشه ويستعيد تطوره الإيجابي هذا العام، إذ تعكس المؤشرات إمكانية نمو إجمال الناتج المحلي بنسبة واحد في المئة بعد انكماشه بنسبة 1.5 في المئة عام 2024، فهل تتمكن الحكومة السورية من مسايرة توقعات البنك الدولي وتتمكن من بلورة اقتصاد السوق الحرة الذي انتهجته، وهل تتمكن من وضع الضوابط الإنتاجية وتسريع دوران عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي، فتحسن معيشة الناس وترفع من قيمة الصادرات بوصفها من أهم معايير النمو الاقتصادي؟