صدمة ما بعد التصفيق..”دير العز” تواجه تحدي تحصيل الوعود

الخبير السوري:

تواجه حملة “دير العز” التي انطلقت بزخم شعبي وإعلامي غير مسبوق، ووُصفها أبناء مدينة دير الزور بأنها “انتفاضة مجتمعية” لإعادة بناء ما دمرته الحرب، ليس فقط الحجر، بل الإنسان أيضاً.. تواجه أزمة صامتة بعد صخب الفرحة التي رافقت تدفق التبرعات.

فبعد مرور أسابيع على إطلاقها، بدأت تتكشف فجوة بين أرقام الملايين التي تم التعهد بها على الهواء مباشرة وفي الفضاءات الرقمية، حيث وصلت إلى أكثر من 31 مليون دولار، وبين السيولة النقدية الفعلية التي دخلت خزينة الحملة، وبلغت نحو 3 ملايين دولار، ليجد القائمون على “دير العز” أنفسهم في معركة تحويل الوعود والتعهّدات إلى واقع ملموس.

 

من الحلم إلى الصدمة

كانت الشرارة التي أثارت الجدل هي الإعلان عن تبرع استثنائي بقيمة مليوني دولار أميركي، قُدّم من قبل أحد المتبرّعين، وهو اسم رجل أعمال سوري مغترب في أوروبا، وهذا الرقم، الذي يعادل ميزانية مشاريع ضخمة، أعطى انطباعاً بأن الحملة حققت نجاحاً ساحقاً قبل أن تبدأ فعلياً.

لكن خلف الكواليس، كانت القصة مختلفة تماماً، ففي تصريح لتلفزيون سوريا، قال عدنان الدخيل وهو أحد منسّقي الحملة، إنّه “يجب أن نكون شفافين مع أهلنا، فهذا المبلغ الضخم لم يصل منه أي شيء إلى حسابات الحملة حتى هذه اللحظة” موضحاً أنّه بعد سلسلة من الاتصالات المكثفة، تبين أن المتبرّع، وبدافع وطني، كان يقوم بدور الوسيط النشط، فقد تواصل مع عشرات الأشخاص في شبكة معارفه بالمهجر، وكلما أبدى أحدهم نية بالتبرع، كان يسجل المبلغ الذي أعلنه، كان في الحقيقة المجموع التراكمي لهذه الوعود الشفهية، وليس تعهداً شخصياً منه بالمبلغ كاملاً، “لقد كان جامعاً للوعود، لا مانحاً للمبلغ”.

ارتباك

ويكشف الدخيل أنّ هذا الأمر أثار حالة من الارتباك داخل إدارة الحملة، ولمعالجة الموقف الحساس دون إثارة الهلع أو فقدان الثقة، تم تكليف أحد الشخصيات المغتربة في ألمانيا، بمهمة لقاء المتبرّع ومراجعة قائمة المتعهدين التي جمعها، والتحقق من جدية كل تعهد، ووضع آلية واضحة لتحصيل الأموال، وهذه المهمة ليست سهلة، فهي تتطلب تتبع عشرات الأسماء في دول أوروبية مختلفة، والتأكد من أن النوايا الحسنة يمكن أن تترجم إلى أموال حقيقية في صندوق الحملة”.

متاهة التعهدات

يقول عضو إدارة الحملة عدنان الدخيل، لموقع تلفزيون سوريا، بأنّ تقرير جرد داخلي أعدته اللجنة المالية للحملة، كشف عن مجموعة من التحديات التي تحول دون تدفق الأموال بسلاسة، ومنها أنّ نسبة كبيرة من إجمالي الوعود، هي تعهدات مؤجلة أو مشروطة، فأحد التجّار ربط سداد التبرّع الذي تعهد به ببيع محصوله الزراعي في نهاية الموسم، كما وعد متبرّع آخر بالسداد بعد إتمام صفقة استيراد يعمل عليها، ويضيف أنّ هذه الأموال قد تأتي، لكن متى؟ المشاريع على الأرض لا يمكنها الانتظار.

المشكلة الثانية في صعوبة تحصيل التبرّعات بحسب الدخيل هي قائمة طويلة من التعهدات المسجلة بأسماء أولى أو كنى فقط، دون أي معلومات اتصال، فعلى الورق، تملك إدارة الحملة تعهداً بـ 5 آلاف دولار من شخص اسمه “علي” وآخر بـ 10 آلاف من “أبو خليل الديري” وتعهداً بقطعة أرض من “الحجي أبو قاسم” لكن من هم هؤلاء؟ لا يوجد رقم هاتف، لا عنوان، لا بريد إلكتروني، وبالتالي هذه أرقام مسجّلة كوعود لا كنقود.

ويضيف أنّ الأمر الثالث في صعوبة وصول الأموال هو أنّ بعض أكبر المساهمات وأكثرها قيمة لم تكن نقدية، ويبرز هنا تعهد السيد زهير هزاع، رئيس غرفة تجارة دير الزور، بتقديم ما قيمته 500 ألف دولار على شكل مشاريع خدمية، وهذا التعهد، رغم أهميته الاستراتيجية، يفتح باباً من التعقيدات اللوجستية والإدارية.

ويوضح عضو الحملة بأنّ تعهد السيد هزاع هو نموذج للتبرع النوعي الذي نحتاجه بشدة، فهو يشمل شراء حافلات نقل داخلي للتخفيف من أزمة المواصلات، وترميم 20 شقة سكنية للأسر التي فقدت منازلها، لكن التنفيذ ليس بسيطاً، فشراء الحافلات يتطلب طرح مناقصة، ودراسة عروض، وربما استيراد، وهذا يستغرق أشهرا، أمّا ترميم الشقق يتطلب التعاقد مع مقاولين، ووضع معايير فنية، وآلية شفافة لاختيار المستفيدين، كل خطوة تحتاج إلى وقت وجهد وإشراف دقيق لضمان الجودة ومنع أي فساد.

خارطة طريق للمستقبل

تتجه كل الأنظار الآن إلى الاجتماعات الحاسمة المقرر عقدها مع المتبرّعين الذين وقّّعوا على تعهّدات، وستكون تلك الاجتماعات بمثابة اختبار حقيقي لقدرة إدارة الحملة على تحويل التعهدات الكبرى إلى خطط عمل، ووضع “خارطة طريق تنفيذية” لتعهد الـ 500 ألف دولار، تتضمن تحديد مواصفات الحافلات، والجدول الزمني لوصولها، وتشكيل لجنة مشتركة لاختيار المقاولين والمستفيدين من مشروع ترميم المنازل.

في ختام حديثه، يقول عدنان الدخيل إنّ شعب دير الزور معروف بكرمه ونخوته، وثقتنا بأهلنا في الداخل والخارج لا تتزعزع، لكن مرحلة الحماس الأولي انتهت، والآن بدأ وقت العمل الجاد والصامت، الشفافية المطلقة هي سلاحنا الوحيد للحفاظ على هذه الثقة، وكشف أنّهم سيصدرون بياناً مفصلاً للرأي العام، يوضحون فيه كل ما تم تحصيله، وما هو قيد المتابعة، والتحديات التي تواجههم، دون تجميل للواقع أو إخفاء للحقائق.

[ جديد الخبير ]