حدث مهم في الزمان والمكان والتوقيت استضافته دمشق أمس الإثنين 20-10-2025، تمثل في انعقاد المعرض والمؤتمر الخاص بصناعة الإسمنت والمجبول البيوتي الذي تنظمه مجموعة (سيم تك)، وضمت أجنحة المعرض وجلسات المؤتمر المرافق أحدث مافي هذه الصناعة من تطورات عالمية وتقانة في الصناعة والتجارة والخدمات المرافقة، وهي ستكون في قلب وصلب إعادة الإعمار والبناء في سورية الجديدة.
تاريخياً وقبل حوالي (100) عام شهد ضفاف نهر بردى في منطقة جبال دمر الكلسية ولادة أول معمل لصناعة الإسمنت باسم معمل (شمينتو دمر)، وكان بالطريقة الرطبة القديمة وكان أساساً أول مصنع في سورية بالطرق الآلية الحديثة آنذاك، وكان من المساهمين كشركة مساهمة كلاً من المرحوم مسلم سيوفي الذي أصبح رئيساً لغرفة تجارة دمشق في مرحلة تالية وباني نهضة سورية الاقتصادي المرحوم خالد العظم ورئيس وزارتها لعدة فترات مهمة في تاريخ سورية ما بعد الاستقلال، بالإضافة إلى مجموعة من عائلات البرجوازية الدمشقية الأصيلة التي تحولت للعمل الصناعي إيماناً منها بأهمية الاقتصاد والتنمية وتلبية احتياجات الإعمار في مرحلة بداية القرن الماضي وبالتأكيد بدافع الربح الذي هو دافع أي عمل تجاري أو صناعي أو خدمي.
اليوم سورية تستعد لمرحلة إعادة بناء ما تم تدميره في مرحلة النظام البائد من أبنية سكنية ومصانع ومرافق عامة. والتقديرات غير النهائية تشير إلى وجود حوالي 2.5 مليون وحدة سكنية مدمرة تحتاج لإعادة بناء، بالإضافة لاحتياجات بناء وتطوير البنى التحتية من طرق وجسور ومدارس ومستشفيات…
عام 2011 كانت سورية مكتفية ذاتياً من الإسمنت بل ومصدرة له، لكن الفترة الماضية شهدت تعرض العديد من المصانع لأضرار بالغة، بالإضافة لتوقف الإنتاج بسبب نقص الطاقة والحالة الأمنية وانقطاع توريد قطع الغيار ومواد الخام.
ما يهمنا في هذا المجال التأكيد على أن إنتاج الإسمنت واستهلاكه عادةً يعد من أهم مؤشرات النشاط الاقتصادي وانتعاشه وهو يشير إلى بداية انتعاش حقيقي في قطاعات البناء والتشييد التي تشغل آلاف فرص العمل وآلاف النشاطات والخدمات المباشرة وغير المباشرة.
تحتاج اليوم مصانع الإسمنت الحالية والمتوقع إنشاؤها قريباً إلى استثمارات ضخمة وهي ترتبط أساساً ببرامج إعادة الإعمار سواء الممولة محلياً أو خارجياً والسيناريوهات المستقبلية في هذا الاتجاه عديدة ومتنوعة ونحن نرجح سيناريو التعافي التدريجي عبر الاستقرار السياسي والأمني والتحسن الاقتصادي وبدء تدفق الاستثمارات الخارجية العربية والأجنبية بحذر وهدوء ولكن دون عودة للوراء.
وسورية بحاجة إلى استقدام أحدث التقانات في هذه الصناعة ومنها التحول نحو الاستدامة واستخدام الوقود البديل والنفايات في أفران الإسمنت وتخفيض الانبعاثات الكربونية والتوجه نحو الخرسانة ذاتية الدمك والخرسانة الشفافة والخرسانة المطورة للأجواء السورية واستخدام جميع المواد والبدائل المحلية المتاحة.
الإسمنت صناعة المستقبل والمستقبل في سورية أصبح أكثر وضوحاً بعد التحرير وانطلاق برامج إعادة البناء والإعمار واستراتيجيات التنمية المستدامة…..
دمشق 21-10-2025
* العيادة الاقتصادية السورية