الخبير السوري ـ ترجمة: غسان محمد رون بن يشاي في صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية: في خضم الضجيج الإعلامي وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الذي تُحدثه سياستنا الداخلية، ربما غاب عن أذهان شريحة كبيرة من الجمهور حقيقة مهمة وجلية: لقد دخلنا مرحلة “غسق الحرب”. هذه هي المرحلة التي يوجد فيها بالفعل وقف إطلاق نار مؤقت، حيث تقوم الأطراف والوسطاء بتشكيل الترتيبات الدائمة التي ستُرسخ وقف القتال لفترة طويلة. في هذه المرحلة، لا يزال من الممكن للأطراف استخدام القوة العسكرية، لكن الأهم هو المفاوضات الدبلوماسية التي ستُصاغ من خلالها الترتيبات الأمنية والدبلوماسية والسياسية التي ستُحكم المنطقة بموجبها في السنوات القادمة. في محادثة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساء الاثنين، “أوصى” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بالانتقال تدريجيا – في غزة ولبنان وسوريا – من المبادرات الهجومية والتهديدات بالتصعيد إلى الدبلوماسية وإجراءات بناء الثقة، بما يُمكّن من الانتقال إلى المرحلة المدنية لتطبيق خطة ترامب “العشرين نقطة” في غزة، والتوصل إلى وقف كامل ومستقر للأعمال العدائية، وربما حتى بعض اتفاقيات التطبيع على جبهات نشطة أخرى. سيتم وضع التفاصيل في المحادثات التي سيجريها نتنياهو وفريقه عند وصوله إلى واشنطن. في كانون الأول أو بعد ذلك بقليل. وفقا لمصدر أمني موثوق، تلقى نتنياهو أيضا توصية مماثلة من كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي، الذين يتوقون للبدء في إعادة بناء الجيش بعد أكثر من عامين من الحرب، وبناء جيش كبير وحديث لمواجهة تحديات المستقبل. لذلك، ترى أغلبية في هيئة الأركان العامة أنه في الوقت الحالي، وفي كل ما يتعلق بقطاع غزة، ينبغي اتباع إدارة ترامب وتوصيات “مركز التنسيق المدني العسكري” الأمريكي (CMCC) في كريات غات. أما بالنسبة للبنان وسوريا، وربما إيران، فمن المستحسن الآن تحقيق أهداف حرب إسرائيل (أو معظمها) من خلال ترتيبات تُحدد وتُرسخ الإنجازات العسكرية للجيش الإسرائيلي في الحرب. في 31 ديسمبر/كانون الأول، سينتهي الإنذار الذي وجهه ترامب للحكومة اللبنانية بنزع سلاح حزب الله. وقد أوضحت إسرائيل بالفعل للحكومة اللبنانية أنه إذا لم يتم ذلك، فإن الجيش الإسرائيلي سيصعّد القتال. يبدو أن ترامب مهتم بمنع هذا التطور، تماما كما هو مهتم بالانتقال إلى المرحلة المدنية من تنفيذ خطته “العشرين نقطة” في غزة. يوم الأربعاء، حصل حدث مهم. عيّنت إسرائيل، المدني أوري ريزنيك، ممثل مجلس الأمن القومي، ممثلا لها في لجنة التنسيق العسكري العاملة في لبنان. وفي الوقت نفسه، عيّن لبنان السفير والدبلوماسي المخضرم، سيمون كرم، ممثلا له في اللجنة، ومجرد اجتماع دبلوماسيين مدنيين من كلا الجانبين يُعدّ خطوة في الاتجاه الذي يسعى إليه ترامب. يشير اتفاق الرئيس اللبناني ميشال عون، ورئيس الوزراء اللبناني نواف سلام على عقد اللقاء، إلى أن كلا البلدين (وليس حزب الله) مهتمان بوضع الصراع العسكري خلفهما، والمضي قدما نحو التطبيع، وربما، في المستقبل البعيد، اتفاق سلام. مع ذلك، لم تُطالب الولايات المتحدة إسرائيل بعد بوقف هجماتها وعملياتها في لبنان، أو القيام بخطوات إضافية. لذلك، فإن مجرد موافقة الحكومة اللبنانية على المفاوضات المدنية المباشرة يُمثل خطوة لبناء الثقة من جانبها، وليس تنازلا دبلوماسيا إسرائيليا. إذ امتنعت الحكومة اللبنانية حتى الآن، عن أي مفاوضات مباشرة ومدنية مع إسرائيل. إذا أضفنا إلى كل هذا التوبيخ “الناعم” الذي وجّهه ترامب لاسرائيل، بعد المعركة التي خاضها جنود الجيش الإسرائيلي قبل نحو أسبوع في بيت جن بسوريا، يبدو أن الرئيس ترامب يسعى حاليا إلى إرساء قواعد جديدة للعبة ستحدد سلوك الأطراف في “اليوم التالي” للحرب: القاعدة الأولى – سيتم نقل الجهود الرئيسية لأطراف الصراع في غزة ولبنان وسوريا إلى المستوى الدبلوماسي. ثانيا، حتى في هذه المرحلة، ستتمكن إسرائيل من مواصلة تطبيق اتفاقيات وقف إطلاق النار في مختلف القطاعات، وكذلك ممارسة الضغط العسكري على حزب الله وحماس. لكن هذا سيتم بشكل رئيسي من خلال إطلاق نار انتقائي ودقيق من الجو، وليس من خلال مناورة برية هجومية. هذا يعني أن خطر التصعيد من جانب إسرائيل لا يزال قائما، ولكنه يحتاج للتنفيذ، الذي سيتم وفقا لقواعد ضبط النفس الجديدة. على سبيل المثال، وفقا لهذه القواعد، سيتم نزع سلاح حماس وحزب الله عبر الوسائل السياسية وضغط الوسطاء والولايات المتحدة، ولن يُسمح لإسرائيل بفرضه بالقوة من خلال مناورة داخل الأراضي التي تسيطر عليها حماس غرب “الخط الأصفر”. القاعدة الثالثة، هي أن يتخذ الطرفان خطوات لبناء الثقة فيما بينهما. ولفهم ومحاولة التنبؤ بما سيحدث في الأشهر المقبلة، لا بد من قراءة خرائط مصالح اللاعبين الرئيسيين: رئيس الولايات المتحدة يريد الاستقرار، وإن أمكن، السلام في الشرق الأوسط، لأربعة أهداف مهمة له شخصيا وتخدم أيضا المصالح الاستراتيجية لبلاده. ترامب يتوق شخصيا إلى نيل جائزة نوبل للسلام، ويريد أن تواصل الشركات التي يملكها، والتي يديرها الآن أبناؤه، إدارة المليارات من العقارات وأعمال العملات المشفرة في الشرق الأوسط. ويريد ترامب أن تستمر دول الخليج، نتيجة للسلام والتطبيع مع إسرائيل والقضاء على التهديد الإيراني، في تفضيل التحالف التجاري والسياسي مع الولايات المتحدة والغرب بشكل عام لسنوات، على الصين وروسيا. كما يريد ترامب تقليص عدد الجنود الأمريكيين في الشرق الأوسط إلى الحد الأدنى. اللاعب الرئيسي الآخر في الساحة ذات الصلة بنا في الشرق الأوسط هو نتنياهو ودولة إسرائيل. يتمثل النفوذ الرئيسي لإسرائيل في الإنجازات العسكرية التي حققها الجيش الإسرائيلي في إيران ولبنان وقطاع غزة وسوريا. لكن نتنياهو غير راضٍ عن هذه الإنجازات، كما يعرضها عليه الرئيس الأمريكي، بل يسعى إلى نصرٍ كامل، يتمثل معناه العملي في نزع سلاح حماس وحزب الله، ونزع سلاح قطاع غزة ولبنان بأكمله من البنية التحتية العسكرية (وخاصةً الأنفاق وورش إنتاج الأسلحة)، ونزع سلاح العناصر الجهادية والأسلحة الثقيلة من جنوب غرب سوريا. هذا هو، إلى حدٍ ما، المعنى العملي للنصر الكامل الذي لم يستسلم رئيس الوزراء نتنياهو له بعد. لا أحد يعلم على وجه اليقين إلى أين يتجه رئيس وزرائنا. فعلى المستوى الاستراتيجي، يعيش نتنياهو وحيدا تقريبا. يُبطئ هذا النوع من العمليات، أي عمليات صنع القرار الاستراتيجي، ويُضعف جودة القرارات المُتخذة، وغالبا ما يتدخل ترامب لملء الفراغ الذي نشأ، كما فعل هذا الأسبوع. إلى جانب تحقيق نصر كامل وفقا للمعايير المذكورة أعلاه، يريد نتنياهو إدراج العناصر التالية في الترتيبات: أولًا، منع السلطة الفلسطينية من ترسيخ وجودها في غزة، وذلك لمنع قيام دولة فلسطينية تشمل قطاع غزة. كما يُريد نتنياهو ألا يكون لتركيا وقطر أي موطئ قدم عسكري أو مدني في إعادة إعمار غزة. إضافة لنزع سلاح حماس وجعا قطاع غزة منطقة منزوعة. وفي لبنان، من المُرجح أن تكون إسرائيل مستعدة للنظر في إخلاء مواقعها العسكرية، وإعادة المعتقلين، والسماح بعودة القرويين الشيعة الذين فروا من جنوب لبنان، شريطة أن تظل المنطقة خالية من الأسلحة وحزب الله كما هي الآن. وتطالب إسرائيل حاليا بإخلاء وسط وشمال لبنان، وخاصة البقاع، من الأسلحة الثقيلة، وخاصة الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار. في سوريا، يُريد نتنياهو منطقة منزوعة السلاح من الجيش والأسلحة الثقيلة، تمتد من جنوب دمشق إلى الحدود الأردنية جنوبا، ومن الحدود الإسرائيلية في الجولان إلى خط الصواريخ في مرتفعات الجولان. أي حوالي 20 كيلومترا. وفي إيران، يطالب نتنياهو، أولاً وقبل كل شيء، بوقف التسليح السريع للحرس الثوري بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة المتطورة، ومنع تجديد المشروع النووي. ومن مصلحة إسرائيل، وفقا لنتنياهو، ضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر والحد من خطر الشاحنات والدراجات النارية التابعة للحوثيين، وربما ميليشيات شيعية أخرى موالية لإيران، والتي تقتحم الأردن (وربما مرتفعات الجولان السورية) على الحدود الشرقية والشمالية الشرقية لإسرائيل. وقد يصل الحوثيون، للسيطرة على المواقع الإسرائيلية، على متن مركبات دفع رباعي على غرار داعش من العراق عبر الأردن إلى حدودنا الشرقية في غضون أربع إلى خمس ساعات. ويريد نتنياهو والجيش الإسرائيلي الآن منع تكرار كارثة السابع من أكتوبر على الحدود الشرقية. للجيش الإسرائيلي الآن مصلحة، كما للرئيس ترامب، في الانتقال من مرحلة القتال العنيف على مختلف الجبهات إلى وقف دائم للقتال. لكن ما يشغل بال الجيش الآن هو الاستعداد للتحديات العملياتية المتوقعة في ساحات القتال السبع، وفقا لمفهوم الأمن الجديد، وأهمها منع التهديدات في بدايتها وإحباط التهديدات القائمة (بدلاً من استراتيجية الاحتواء التي كانت سارية حتى 7 أكتوبر). ومن المبادئ الأخرى الدفاع الأمامي، الذي بموجبه سيكون الجيش حاضرا فعليا بين التهديدات والمستوطنات المدنية على جميع الحدود. والمبدأ الثالث فهو أن الجيش الإسرائيلي بأكمله، وكل جناح ووحدة على حدة، سيكون على أهبة الاستعداد على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لهجوم مفاجئ دون أي تحذير استخباراتي. ما يمنع الجيش حاليا من تحقيق هذه الأهداف هو الميزانية، وقانون إعفاء المتدينين المتشددين من التجنيد. والأهم من ذلك عدم وجود قدم سياسية في اسرائيل، تتعاون مع الرئيس ترامب، وتضع حدا للقتال، وتسمح للجيش الإسرائيلي بالانتقال إلى تطبيق الترتيبات الأمنية الجديدة بالنار، وفي الوقت نفسه، إعادة تنظيم وبناء قوته للصراعات المستقبلية.