*كمال أوزتورك
عاصفة تقترب من العالم، وسوف نتأثر بها جميعا..
قبل العواصف، تحدث تغيرات غريبة في الجو، لا يستطيع الناس عادة تفسيرها. يشعر الجميع بأن هناك شيئا غير طبيعي، لكن لا يمكنهم فهم سببه بدقة. أظن أن الوضع الراهن في العالم يشبه تماما هذا الشعور.
أشياء غريبة تحدث، ظواهر غير قابلة للتوصيف، تغيّرات شاذة في سلوك البشر، ولا أحد يعلم السبب على وجه التحديد.
هناك تراكم هائل للطاقة السلبية
العديد من خبراء التاريخ السياسي وعلماء الاجتماع الذين تحدثت إليهم شبّهوا الوضع الحالي بما كان عليه العالم قبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية.
فبعد التحولات العظيمة التي أحدثتها الثورة الصناعية، اندلعت أولا الحرب العالمية الأولى، ثم الثانية، ولم يُفرغ التوتر المتراكم إلا من خلالهما. واليوم، بعد الثورة الرقمية، وآخرا ثورة الذكاء الاصطناعي، تتراكم طاقة هائلة، والتوتر الناتج عنها يمكن رؤيته في كل مكان.
المعادن النادرة، التي تُعدّ المادة الخام الأساسية لعصر التكنولوجيا، تبدو محور التوتر الحالي. ومع ذلك، فإن التدفق الحر للمعرفة، الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا، أدى إلى تعقيدات متعددة. على سبيل المثال، تدفقات المعلومات الملوّثة والموجّهة غذّت أيديولوجيات لا عقلانية، ونتج عنها طبقات اجتماعية أشبه بحالة من الهذيان.
في أميركا، ظهرت حركة “اجعل أميركا عظيمة مجددا” (MAGA)؛ وفي إيطاليا، “حركة النجوم الخمس”؛ وفي ألمانيا، الأحزاب العنصرية؛ في تركيا، جماعة “فتح الله غولن”؛ في إسرائيل، الصهيونية العنصرية؛ في الشرق الأوسط، “تنظيم الدولة”؛ وفي أفريقيا، التنظيمات الإجرامية ذات الطابع الديني والعرقي.
نحن في تركيا نناقش يوميا ازدياد العصابات الإجرامية الصغيرة. أما في أوروبا وأميركا، فالدول أصبحت عاجزة أمام تفشي المخدرات وتهريب البشر وأعمال العنف.
ولعلّكم لاحظتم، حتى في البلدان- التي تعيشون فيها- أن الناس باتوا يميلون إلى العنف بسرعة حتى في اختناقات مرورية بسيطة.
ما السبب في كل هذا؟ إنه تماما ما يشبه اضطراب الأجواء الغامضة قبل العاصفة.
لا يمكن تفريغ الطاقة السلبية إلا بالحرب
يوما بعد يوم، تتصاعد التوترات، وتتراكم الطاقة. ولسوء الحظ، لا يتم تفريغ هذه الطاقة إلا من خلال حرب طاحنة. تماما كما حدث قبل الحرب العالمية الثانية.
في ذلك الحين، تصاعدت النزعات القومية، واتسعت الفجوة في توزيع الثروة، وازداد الطمع في الثراء، وبلغ الطلب على المواد الخام ذروته، وصعدت الأيديولوجيات اللاعقلانية، وبرز قادة بأفكار متطرفة جرّوا وراءهم الجماهير.
أما اليوم، فإن قائمة الاحتياجات الجديدة التي خلّفتها الثورة التكنولوجية حوّلت الشركات العملاقة الجشعة إلى أمراء حرب. وهذه الشركات- التي في معظمها مقرها أميركا- تعتقد أنها ستنهار إن حُرمت من المعادن الثمينة.
والولايات المتحدة تملك أكبر جيش في العالم. وهي الآن تحشد ثلث قواتها على حدود فنزويلا، مدعية مكافحة تهريب المخدرات، بينما تطمح في الحقيقة إلى الاستيلاء على النفط والثروات الباطنية.
ولقد صرّحت للعلن بقولها لأوكرانيا: “إذا لم تعطِنا معادنك الثمينة، سنوقف بيع السلاح لك”. كما أن أطماعها في غرينلاند وكندا ليست فوق الأرض، بل تحتها.
أوروبا، بعد أن خسرت سباق التكنولوجيا، لم تعد تسعى وراء المعادن الثمينة، وبالتالي لا تنوي شنّ أي حروب. فهي قد استهلكت حقها في العدوان والجشع في القرن الماضي، وأشعلت حربين عالميتين دمويتين.
أما الآن، فيبدو أن الدور آتٍ على الولايات المتحدة، والصين، وروسيا لممارسة دورها “التاريخي” الجديد.
التوتر القائم في تايوان، وإن بدا ذا بُعد جيوسياسي، إلا أن الجاذب الأكبر فيه هو وجود شركة TSMC، التي تُعدّ احتكارا عالميا لإنتاج الرقائق الإلكترونية- وهي اليوم الأساس الأول لكل الصناعات التكنولوجية. بدون الرقائق، سيتوقف تقريبا كل إنتاج تقني على وجه الأرض.
أما روسيا، فقد احتلت ثلث أراضي أوكرانيا، ولا نية لديها للتخلي عنها.
يوما بعد يوم، تتصاعد التوترات، وتتراكم الطاقة. ولسوء الحظ، لا يتم تفريغ هذه الطاقة إلا من خلال حرب طاحنة. تماما كما حدث قبل الحرب العالمية الثانية.
سباق تسلّح مرعب
أمام هذه التهديدات، بدأت أوروبا بالفعل سباقَ تسلحٍ محموما. بل ليس في أوروبا وحدها، بل من أستراليا إلى الشرق الأوسط، ومن أميركا اللاتينية إلى أفريقيا، يجري سباق تسلّح جنوني.
في السنوات العشر الأخيرة، ارتفعت نسبة التسلّح عالميا بنسبة 37%. الأرقام مُفزعة: في عام 2024، أنفق العالم 2.7 تريليون دولار على الأسلحة. ولأجل تغطية هذه التكاليف، تقلّص الدول ميزانيات التعليم، والصحة، والاقتصاد، والتنمية الحضرية. وهذا بدوره يُفاقم من تدهور الحياة الاجتماعية.
بكلمة أخرى، يشهد العالم موجة تسلح عالمية. وتتصدّر الصين، وأميركا، وروسيا مشهد الإنتاج.
لكن، ما مصير كل هذه الأسلحة؟ لا بد أن تُستخدم في مكان ما.
إسرائيل تهاجم ست دول في محيطها محاولة تحقيق أهداف أيديولوجية غير عقلانية. وخلفها تقف أميركا، أكبر مُصنّع ومُصدّر للأسلحة في العالم.