الخبير السوري – ترجمة غسان محمد
كتبت كاسانيا سبتلوفا:
حققت زيارة ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، إلى واشنطن، له ولبلاده كل ما كانوا يحلمون به: رفع مكانة السعودية إلى حليف مهم من خارج حلف الناتو، والتعاون في المجال النووي، ووعد بتزويدها بطائرات إف-35 المقاتلة. في المقابل، لم يُطلب من بن سلمان التخلي عن موقفه وتطبيع العلاقات مع إسرائيل في غياب حل مناسب للقضية الفلسطينية. حدث هذا لسبب مفهوم تمامًا: كان من المستحيل الضغط على بن سلمان لإجباره على التخلي عن هذه القضية، فبعد عامين من حرب غزة، وحتى قبل ذلك، كان كل متحدث سعودي يذكر في خطاباته موقف بلاده من الدولة الفلسطينية التي يجب أن تقوم إلى جانب دولة إسرائيل.
خلال العامين اللذين انقضيا منذ السابع من أكتوبر، تصدرت المملكة العربية السعودية العديد من المحافل الدولية والعربية التي ناقشت هذه القضية، بل ساهمت في رسم ملامح الدبلوماسية العربية، وإلى حد ما الدبلوماسية الدولية، في كل ما يتعلق بقضية غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية. وفي بلادنا، ملأ كل من يروّجون كلامًا فارغًا طوال هذه السنوات حول إمكانية تطبيع العلاقات مع السعودية وجميع الدول العربية والإسلامية دون حل للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أفواههم ماء، لأنه من الصعب بالنسبة لهم التخلي عن المفاهيم، وخاصة تلك الخاطئة جوهريًا.
في عام ١٩٩٧، صرّح الرئيس المصري آنذاك حسني مبارك، لـ ديفيد فروست على قناة بي بي سي، أن نتنياهو حاول أن يشرح له وللملك حسين أن اتفاقيات السلام بين إسرائيل والأردن ومصر لا علاقة لها إطلاقًا بالقضية الفلسطينية. لكن كما هو معلوم، لم يتمكن نتنياهو من إقناع القيادة العربية بهذا، لا آنذاك ولا الآن، ومن هنا وصلت إسرائيل إلى الوضع المزري الذي تجد نفسها فيه نهاية عام ٢٠٢٥: بدون تطبيع، ومع زعيمة للعالم العربي، أقوى من أي وقت مضى، ليست بحاجة لأي شيء من إسرائيل.
كانت إسرائيل تُعرف في السابق بأنها فاتحة أبواب في واشنطن. ولجأ إليها القادة العرب العقلاء، ومن هم أقل تعقلاً، لكسب تأييدها في البيت الأبيض والكونغرس. واليوم، بينما يُدير الأمريكيون العملية في غزة ويُبلغون إسرائيل بجدول ومضمون وقف إطلاق النار، يتضح للجميع أنها لم تعد فاتحة أبواب. هناك رجل واحد أقنع نفسه والعديد من الإسرائيليين بإمكانية التخلي عن حل القضية الفلسطينية والتجول في القصور الذهبية في أبوظبي والرياض، وآمن من كل قلبه بإمكانية “إدارة الصراع”، وبإمكانية تقوية حماس وإضعاف السلطة الفلسطينية والخروج منتصراً من كل هذا – هذا الرجل هو من أوصل إسرائيل إلى هذا الوضع الصعب.
هذا ليس النهاية.. لا يزال السعوديون يرغبون في التطبيع، لكنهم غير مستعدين للقيام بذلك دون المطالبة بثمن على الساحة الفلسطينية. إن حكومةً تُدرك استحالة الفصل بين الساحتين، واستحالة تحقيق الأمن الحقيقي دون بناء علاقة جديدة ومختلفة تمامًا مع الفلسطينيين، ستنجح في إيصال إسرائيل إلى بر الأمان.
صحيفة معاريف: 22-11
بن سلمان في واشنطن: تعزيز الشراكة – أم تهديد لإسرائيل..؟
بقلم: د. عنات هوشبيرغ – ماروم.. الخبيرة في الجغرافيا السياسية والأزمات الدولية والإرهاب العالمي
أثارت زيارة محمد بن سلمان إلى واشنطن، آمالًا كبيرة في إسرائيل، وطرحت تساؤلات وشكوكًا على الساحة الدولية. فإلى جانب الطابع الاحتفالي للحدث، الذي يرمز إلى تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، تأتي الزيارة في وقت حساس، لا سيما في ظل صراعات النفوذ في الشرق الأوسط، وسعي الولايات المتحدة لاستعادة مكانتها ودورها السياسي والاقتصادي على الساحة العالمية.
بعد سنوات من التوترات بين البلدين، يبرز بن سلمان، الآن كواحد من أكثر القادة نفوذًا ومركزية على الساحة الدولية. فقد جرت الزيارة مناقشات حول توسيع التعاون الاقتصادي وزيادة الترابط، وهو عنصر أساسي للحفاظ على الاستقرار الإقليمي، لا سيما في ظل مشاركة البلدين في إنهاء القتال في قطاع غزة وإعادة إعماره، إلى جانب التطورات في اليمن والضفة الغربية وسوريا ولبنان. مع ذلك، بات واضحًا بالفعل أن الاختبار “الحقيقي” للزيارة لا يكمن في نطاق الاتفاقيات الموقعة أو الالتزامات الاقتصادية المعلنة، بل في القدرة على تنفيذ التفاهمات، وقيادة عمليات سياسية فعّالة، والتعامل مع مناطق الصراع المعقدة في الشرق الأوسط التي لا تزال تؤثر على استقرار المنطقة بأسرها، وكذلك على الاستقرار الداخلي للمملكة العربية السعودية.
بشكل عام، تُجسّد الزيارة تعميق العلاقات الأمنية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، في ظل السعي لإعادة تشكيل الفضاء الجيو-اقتصادي وتوازن القوى الإقليمي. ويأتي ذلك في ظلّ مواجهة خطر الإرهاب والأسلحة النووية الإيرانية، والحدّ من النفوذ المتنامي لإيران وروسيا والصين في المنطقة، لا سيما في مجال الأسلحة النووية المدنية. حيث تُرسّخ هذه الخطوات مكانة السعودية كشريك مُفضّل في الساحة الأمريكية، مع مواصلة تعزيز علاقاتها مع القوى العالمية.
يُمثل الاجتماع في البيت الأبيض، بالتزامن مع الصفقات الاقتصادية التي تزيد قيمتها عن 300 مليار دولار – بما في ذلك صفقة مشتريات دفاعية بقيمة 142 مليار دولار – خطوةً نحو تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والسعودية. ومن منظور جيوسياسي واسع، يعكس تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية تحولًا جذريًا في أولويات البلدين. لم تعد واشنطن تُركز سياستها على أمن الطاقة فقط، كما لم تعد الرياض تعتمد فقط على الدفاع العسكري الأمريكي لضمان أمنها القومي. وعوضًا عن ذلك، تتشكل شبكة معقدة من الاتفاقيات الثنائية والمصالح الجيو- اقتصادية والتكنولوجية والمتعلقة بالطاقة، قائمة على المعاملة بالمثل، والمنفعة المتبادلة، ورؤية عالمية بعيدة المدى.
تُبرز زيارة ولي العهد إلى واشنطن والاتفاقيات التي وُقّعت خلالها، عمق التغيير وأهمية المملكة العربية السعودية، كمرتكز للاستقرار الإقليمي، وحجر زاوية في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، ومحرك للنمو العالمي. إذ أن مكانتها كثاني أكبر مُصدّر للنفط في العالم، إلى جانب موقعها الاستراتيجي على مفترق الطرق الذي يربط آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط، تجعلها لاعباً رئيسياً في الحفاظ على أمن الطاقة الأمريكي والعالمي. وبذلك، تُرسّخ هذه الخطوات مكانة المملكة العربية السعودية كشريك استراتيجي وقوة صاعدة على الساحة الدولية، ومكانة الولايات المتحدة كقائد عالمي في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والأمن.
موقع “ماكور ريشون”: 22-11
لقد فعل المال فعله: لم تعد إسرائيل الابن المدلل للإدارة الأمريكية
بقلم: آري شافيت
أهم ثلاث رسائل إنكليزية موجهة إلى إسرائيل هي “التفوق العسكري النوعي”. ومعناها هو الأفضلية العسكرية النوعية. ومعناها القانوني هو التزام الولايات المتحدة بأن تمتلك إسرائيل القدرة على دحر أي تهديد تقليدي من جيرانها. ومعناها الاستراتيجي هو أنه منذ عام ١٩٦٨، وخاصة منذ عام ٢٠٠٨، دأبت القوة العظمى الأمريكية على تزويد الديمقراطية الإسرائيلية بأسلحة عالية الجودة لا تقدمها لأعدائها.
المعنى التاريخي لهذه الرسائل هو الحياة والبقاء والقوة. مع كل الاحترام لشجاعة الجنود الجيش الإسرائيلي ومهارة قادته الحربية، فإنه لولا أنظمة الأسلحة التي تتفوق على تلك التي يمتلكها جيراننا في الشرق الأوسط، لما كنا نجونا طوال الستين عامًا الماضية، ولما كنا لننعم بالسلام والأمن والازدهار، فالتفوق العسكري النوعي هو أحد ركائز وجودنا. لكن، في يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع، مات التفوق العسكري النوعي، وتحطمت الميزة العسكرية النوعية. فقد أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن طائرات إف-35 المباعة للسعودية “ستكون مثل تلك المباعة لإسرائيل”.
أهمية هذا التصريح ليست قليلة. فمعناه العملي هو أن ترامب تخلى عن التزام قطعه كل الروس الأمريكيين السابقين. فالرئيس المحافظ، الذي كان يحظى بإعجاب واسع في إسرائيل، تجرأ على أن يفعل بنا ما لم يجرؤ حتى كارتر، وأوباما، وبايدن على فعله. لقد ألقى بنا الرئيس السابع والأربعون تحت عجلات الحافلة.
لم يكن تصريح ترامب بلا سياق. فقد جاء خلال زيارة ملكية مُذهلة لمحمد بن سلمان إلى البيت الأبيض. وجاء في سياق صفقة ضخمة ستستثمر فيها المملكة العربية السعودية 600 مليار دولار أو أكثر في الولايات المتحدة، على جانب نقل الطاقة النووية المدنية و300 دبابة متطورة إلى الرياض، بالإضافة إلى الالتزام بتحالف دفاعي أمريكي سعودي. لذا، فإن للحدث الذي جرى في الخارج هذا الأسبوع دلالة ثلاثية.
من جهة، بدلاً من أن يتلقى بن سلمان هدايا وامتيازات أمريكية كجزء من اتفاقية تطبيع مع إسرائيل، فإنه يتلقاها مُسبقًا ومباشرةً. لقد مهد العرش في الرياض طريقًا إلى واشنطن لا يمر عبر القدس. لذلك، لم يعد مُلزمًا بالدفع بالعملة الإسرائيلية مقابل أنظمة أسلحة متطورة ومفاعلات نووية ومظلة استراتيجية أمريكية.
ومن جهة أخرى، بينما يُنظر إلى إسرائيل بشكل متزايد على أنها محمية أمريكية، أصبحت الدول العربية الغنية الآن الشركاء الشرعيين للولايات المتحدة. ولم نعد الابن المدلل للإدارة الأمريكية. لقد أثّر المال سلبًا، وأثرت المصالح سلبًا، وتراجعت مكانة الدولة اليهودية بشكل كبير.
على المستوى الثالث، انكسر المبدأ الثابت الذي بُني عليه أمن إسرائيل منذ حرب الاستنزاف. فمن هذه اللحظة، أصبحت أمريكا حرة في تزويد أي جهة بأسلحة متطورة، مما سيقوّض التفوق الاستراتيجي لإسرائيل في الشرق الأوسط.
على المدى القريب، لا داعي للقلق. سيبذل الأمريكيون جهودًا لطمس أهمية حدث ترامب وبن سلمان. سيزعمون أنهم ما زالوا ملزمين بالقانون الذي يضمن التفوق النوعي لإسرائيل،وأن إسرائيل ستحصل على تعويضات متنوعة. كما سيحاولون التقليل من أهمية الحدث من خلال عملية سلام إقليمية كبرى ذات آثار بعيدة المدى. وسيظل العرب البراغماتيون يعاملوننا بتعاطف لأنهم يرون بإسرائيل حليفا مهمًا في الحرب ضد إيران والجهاد وحالة عدم الاستقرار الإقليمي.
ليس هناك خوفٌ حقيقيٌّ من أن تُستَخدَم طائرات إف-35 ضدنا فور وصولها إلى المنطقة، بعد خمس أو ست سنوات. ولكن على المدى البعيد، حدث شيءٌ ما. الرئيس الذي يُحطّم الأدوات، حطّم أيضًا الأداة الثمينة، وهي قدسية وخصوصية التحالف الأمريكي الإسرائيلي. قلبه معنا، لكن محفظته محفظة عربية – وفي حالة دونالد ترامب، المحفظة أهم من القلب. ما يهمّ حقًا في البيت الأبيض اليوم هو السلطة والكثير من المال العربي.