الخطر الحقيقي الذي يُرعب إسرائيل  ليس طائرة إف-35 في السعودية.

الخبير السوري ـ ترجمة غسان محمد

كتب عوفر شيلح – رئيس برنامج سياسة الأمن القومي في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي:
رافقت اتفاقيات ابراهام إعلاناتٌ مثيرة عن صفقة أسلحة مع الإمارات العربية المتحدة، تتضمن 50 طائرة من طراز F-35، مما أثار ضجةً كبيرةً في إسرائيل. لكن لم يتم تنفيذ هذه الصفقة. لا يعني هذا أن الإعلانات الطنانة عن صفقة جديدة، والتي – كما قال ترامب – “سنبيع فيها للسعوديين عددًا كبيرًا من طائرات F-35″، لن تُبرم أيضا، ولكنه يُبرر بالتأكيد الشك في إمكانية حدوث ذلك.
تُظهر دول الخليج – المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر – حكمةً سياسيةً وفهمًا عميقًا لواشنطن، وخاصةً واشنطن ترامب، أكثر بكثير من إسرائيل. فهم يعلمون أن الرئيس يُحب الإعلان عن صفقات ضخمة لصالح الاقتصاد الأمريكي، تمامًا كما يُحب الإعلان عن رسوم جمركية جديدة على العالم أجمع، ولا يُبالي كثيرًا بكيفية تحقيق أيٍّ من ذلك.
السعودية، كقاعدة عامة، تتجنب الحروب. فلمدة ثماني سنوات، تبادلت إطلاق النار مع الحوثيين، الذين أطلقوا النار مباشرة على الرياض ومكة – ولم تشن هجومًا حقيقيًا عليهم. يفضل السعوديون أن يستخدم طرف آخر القوة ضد إيران. ومن الأرجح أنه في حال تعرض السعودية للخطر، ستحمل طائرات إف-35 التي ستحلق في سماء طهران، نجمة داوود على أجنحتها.
هناك دولة واحدة في الشرق الأوسط تُعدّ فيها الطائرة بديلاً عن السياسة، ويُعدّ غياب أي تهديد لسلاح الجو قيمةً مقدسةً، تطغى على أي اعتبار آخر. في عهد الحكومة السابقة، شكّلت “حرية طيران سلاح الجو” في عمليات “الحرب بين الحروب” في سوريا المبرر الحاسم لسياسة إسرائيل الجبانة في الحرب الروسية الأوكرانية.
هذا التركيز على القدرات يضر بالأمن، ليس فقط بالمعنى الواسع، بل أيضًا بالمعنى الضيق للأمن. هناك صلة مباشرة بين الهوس بإحصاء الطائرات والرادارات في أيدي دول لم تطلق جيوشها رصاصة واحدة في قتال مع إسرائيل، والازدراء بجيش من الناس حفاة الأقدام، لا يملك دبابة أو طائرة واحدة. الأمر ببساطة أن هذا الجيش هو الذي فكك في السابع من أكتوبر/تشرين الأول فرقة من الجيش الإسرائيلي في ساعة واحدة، واحتل مساحة من الأرض في إسرائيل. حتى عندما نحصي القدرات، ينصب تركيزنا على ما نعتبره ثمينًا – التكنولوجيا والمنصات باهظة الثمن – وليس على الخطر الحقيقي والملموس الذي يشكله من يرتدون الشبشب وسائقو الشاحنات الصغيرة.
على الجانب الآخر من الميزان، تلقينا تذكيرًا مؤلمًا بعدم جدوى عملية استخبارات جوية ناجحة، في غياب إطار سياسي مُكمّل. لقد قصفنا إيران لمدة اثني عشر يومًا، لكنها لم تصبح بعيدة عن قنبلةً نوويةً أكثر مما كانت، وهي تواصل تطوير قدراتٍ تهديديةً جديدة، وإن رغبت، ستكون صديقًا جديدًا لترامب.
يكمن الخطر الحقيقي على الأمن في أن إسرائيل أصبحت عصا غليظة لكن باهتة، تتجول في الفضاء وتقصف، كبديلٍ للسياسة، ولذلك من السهل إبقاءها خارج الغرفة عندما يجلس الكبار، تركيا ودول الخليج، مع الأمريكيين لترتيب أمور المنطقة. الخطر الحقيقي يكمن في رفض إسرائيل، لأسبابٍ سياسيةٍ وقصيرة النظر، المشاركة في هذه البنية الإقليمية، وفي فكرة أن صراعنا مع محيطنا يمكن إدارته واستدامته بالقوة العسكرية وحدها.
هناك شكوك جديةً حول ما إذا كانت المملكة العربية السعودية ستمتلك طائرات إف-35 بالفعل. لكن الخطر الحقيقي يكمن في أننا نستمر في قياس كل شيء بمدى جناحينا وجناحي من حولنا، بدلاً من التصرف كدولة تخدم فيها القوة العسكرية أغراضًا سياسية، وتتمتع بالشجاعة والرؤية والرصانة، وليس مجرد “تفوق عسكري نوعي”.

[ جديد الخبير ]