الخبير السوري: * كتب د. زياد أيوب عربش/ مستشار اقتصادي:
يشهد الاقتصاد الإقليمي لمنطقتنا (الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) في عام 2025 تحولات مهمة وسط تحديات خارجية وداخلية متعددة.
فبالرغم من التأثيرات السلبية للنزاعات الإقليمية، فإن تقلبات أسعار النفط، والضغوط التضخمية، تظهر مؤشرات متباينة لأداء اقتصادات الدول العربية، بالإضافة إلى تركيا، إيران، وإسرائيل.. فوسط هذا المشهد، تلعب أسعار النفط والذهب وسعر صرف الدولار العالمي أدوارا” حاسمة في تحديد قدرة هذه الاقتصادات على الصمود وتحقيق النمو.
والتحليل المعمق لهذه الاقتصادات يظهر تفاوتاً واضحاً في الأداء مع وجود تباين ملحوظ بين اقتصادات النفط وغير النفط، حيث تتصدر ليبيا والسودان معدلات النمو المرتفعة بفضل النفط والاستقرار النسبي، بينما تحقق دول الخليج مثل السعودية والإمارات نمواً مدعوماً بتنويع الاقتصاد والإصلاحات. بينما تسجل مصر نمواً ملحوظاً مع تحسن في التضخم والميزان التجاري.
في حين يعاني الاقتصاد السوري من انكماش كبير بسبب الحرب والعقوبات. كما يشهد الأردن توسعاً في الاستثمار الصناعي وتحسن نسبي في الأمن الغذائي. مازال دور أسعار النفط ملحوظاً حيث تراجعت بنحو 20%، مما أحدث تأثيرات متفاوتة بين الدول النفطية والمستوردة، كما أن سعار الذهب وسعر صرف الدولار شكلا ضغوظاً تضخمية على بعض الاقتصادات، خاصة إيران وسورية، بينما تحافظ تركيا على استقرار نسبي مع نمو معتدل بفضل سياسات نقدية متشددة وجذب للاستثمارات. أما الاقتصاد الإيراني فيعاني من ركود مع تضخم مرتفع وانهيار عملته. بينما تستمر “اسرائيل” في استعادة النمو المعتدل مع وجود تأثيرات أمنية على الثقة الاستثمارية. إن التوترات الإقليمية وارتفاع أسعار الغذاء والتضخم تشكل تحديات مستمرة، لكن هناك آمال في تحسن النمو بالاعتماد على تنويع الاقتصاد والتحول الرقمي في مجمل دول منطقتنا شرط إعطاء الزخم للتطوير المؤسساتي واستغلال فرص الشباب في التشغيل مع إيلاء التعاون الإقليمي الأهمية التي تساعد الجميع في تبادل المزايا وتحقيق المنافع للجميع.
التقرير: أداء اقتصادات الدول العربية وتركيا وإيران و”إسرائيل” ٢٠٢٥.
تتصدر ليبيا المشهد بنمو الناتج المحلي بنسبة 13.7% بفعل تعافي إنتاج النفط، يليها السودان 8.3% رغم تحديات السياسة والتمويل. بينما تحقق السعودية نمواً بين 3% و5.9% حيث تستفيد من تنوع الاستثمار والإصلاحات، تليها الإمارات بنحو 4%-5.1%، مع أداء قوي للقطاعات غير النفطية ودور إقليمي متزايد.
بينما تسجل الكويت، البحرين، عمان وقطر نمواً معتدلاً بين 2.8% و8%، مدعومة بتعافي أسعار الطاقة وتدفقات الاستثمار. وتبقى كل من المغرب والجزائر ومصر في دائرة النمو 3.5%-3.9% رغم استمرار عبء الديون وضغوط التضخم. حيث سجل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لمصر نموا سنويا بلغ 4.8% خلال الربع الثالث من العام المالي 2024/2025، وهو الأعلى خلال ثلاث سنوات. حيث تدعم الإصلاحات الاقتصادية والتوسع في قطاعات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر بيئة الاستثمار وجذب رؤوس الأموال. مع تراجع التضخم المتوقع إلى ما دون 12%، بفعل تحسن الميزان التجاري وانخفاض أسعار النفط، بالتالي، إعادة توجيه الإنفاق نحو قطاعات حيوية.
بينما شهد الأردن نمواً ملحوظا في الاستثمار الصناعي وتوسع القطاع الخاص، مع إستراتيجيات لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين تنافسية الاقتصاد عبر تنويع مصادر الدخل. فينما شهدنا تراجعاً في أسعار النفط في 2025 بنسبة تقارب 20% منذ بداية العام، سجل الميزان التجاري لكل من الأردن وبقية الدول المستوردة للخامات والمشتقات النفطية تحسناً نسبياً مقابل سعي الدول النفطية الكبرى (السعودية، الإمارات، الكويت) لتحقيق التوازن المالي مع انخفاض الإيرادات النفطية، حيث سجلت السعودية عجزاً تجاوز 16 مليار دولار في الربع الأول من 2025. فانخفاض أسعار النفط أفاد دولاً مستوردة مثل مصر التي خففت ضغط دعم الوقود وحسنت ميزانها التجاري، مما ساهم في استقرار العملة المحلية والحد من التضخم. بالمقابل فان تغير سعر صرف الدولار أمام العملات المحلية، وخاصة الريال الإيراني والليرة السورية، حمل ضغوطاً تضخمية كبيرة على الدول ذات الاستقرار المالي الاقتصادي الهش، مع تأثيرات معاكسة في اقتصادات مرتبطة بتحويلات دولارية كالأردن ومصر.
تركيا: النمو والتحديات
تتمتع تركيا بنمو قوي مدعوم برؤوس أموال أجنبية وتصدير، مع تبني سياسات نقدية صارمة تهدف إلى الحفاظ على استقرار سعر الصرف وسط معدلات تضخم منتظمة. لقد استطاعت تركيا الحفاظ على استقرار نسبي لسعر صرف العملة مع دعم المصرف المركزي وتحفيز الاستثمار الأجنبي، مما ساعد على تحقيق نمو متوقع 3.3-4% رغم الضغوط التضخمية.
بينما يستمر الاقتصاد الإيراني من معاناته من تضخم فوق 40% وانهيار في قيمة الريال بسبب العقوبات وتأثير ذلك على سعر الدولار العالمي، ما زاد من صعوبة الوضع الاقتصادي وتحديات النمو.
إسرائيل: الأداء الراهن
تواصل إسرائيل تحقيق نمو معتدل يتركز على الابتكار واعتماد التكنولوجيا، ولكن الاضطرابات الأمنية تؤثر جزئياً على ثقة المستثمرين، مع توقع تعافٍ نسبي في النصف الثاني من عام 2025.
الأداء المستقبلي
من المرجح جداً أن تستمر اقتصادات الخليج وتونس والمغرب في التحسن مع استقرار أسعار النفط وتقدم التحول الرقمي. في المقابل، تواجه دول مثل إيران وسوريا ولبنان تحديات كبيرة تتعلق بعوائد النفط والتمويل بسبب أزمات داخلية وعقوبات دولية. كما يُرجح أن تحقق تركيا نمواً أكبر في حال استمرار تدفق رؤوس الأموال والتحسينات الهيكلية. أما دول النزاع مثل ليبيا، السودان، واليمن فما تزال عرضة” لتقلبات حادة مرتبطة بالأمن والسياسة والوضع المالي. كما بالعموم مازالت المؤشرات الاقتصادية والمالية للمنطقة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بأسواق النفط، الذهب، وسعر صرف الدولار العالمي، وهي عوامل أساسية تؤثر على فعالية السياسات الاقتصادية، وقدرة الدول على الصمود وتحقيق نمواً مستداماً.