بعيدًا عن الضجيج والصخب الشعبي ..خبير يدفع برؤية عقلانية لمعالجة ملف الكهرباء في سوريا

الخبير السوري ـ نهى علي:

فرض موضوع الكهرباء نفسه قسرًا كأولوية متقدمة جدًا على الحكومة والمواطن السوري على حد سواء.

ويبدو بالفعل أنه تحدٍ بالغ الحساسية، يتأرجح بين ماهو عملي من جهة وماهو وجداني شعبي من جانب آخر..تمامًا كما الدواء المر أو خيار العلاج بالكي الذي يعرفه السوريون جيدًا.

في سياق هذه المعادلة المعقدة اختار الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور إبراهيم نافع قوشجي عبارة “الكهرباء في سوريا من عبء اقتصادي إلى محفز استثماري في اقتصاد منفتح” كعنوان لحديثه مع “الخبير السوري”.

د. قوشجي: أزمة الكهرباء أحد أبرز التحديات الهيكلية التي تعيق الاستثمار وتثقل كاهل الاقتصاد والمجتمع السوري

ويرى أنه وفي خضم التحولات الاقتصادية التي تسعى سوريا إلى تحقيقها، لم يعد مقبولاً الاستمرار في إدارة الاقتصاد بمنطق الانغلاق والتقنين، خصوصاً في القطاعات الخدمية والبنية التحتية التي أنهكتها سنوات الحرب والعزلة. ومع الاتجاه نحو اقتصاد أكثر انفتاحاً وارتباطاً بالأسواق الإقليمية والدولية، تبرز أزمة الكهرباء كأحد أبرز التحديات الهيكلية التي تعيق الاستثمار وتثقل كاهل الاقتصاد والمجتمع السوري.

 انهيار بنيوي يهدد بيئة الاستثمار

يرى د. قوشجي أن قطاع الكهرباء في سوريا يعاني من تدهور شامل يمتد من محطات التوليد إلى شبكات التوزيع ومصابيح الإنارة، ما يتطلب إعادة بناء جذرية تُقدّر تكلفتها بأكثر من 40 مليار ليرة سورية.

وفي ظل عجز الدولة عن تمويل هذا التحول، لجأت الحكومة إلى رفع أسعار الكهرباء، في محاولة لتقليص العجز وتحفيز الاستثمار في قطاع الطاقة. ورغم أن الأسعار الجديدة لا تزال أقل من المعدلات العالمية، إلا أنها كشفت عن تفاوتات داخلية حادة بين الشرائح الاجتماعية والاستخدامات المؤسسية، وأثارت تساؤلات حول أثرها على بيئة الأعمال.

عنصر حاسم في قرار الاستثمار

يعتبر الخبير قوشجي أن الكهرباء ليست مجرد خدمة عامة، بل هي بنية تحتية إستراتيجية تحدد مدى جاذبية أي بيئة استثمارية.

قرار رفع أسعار الكهرباء في هذا التوقيت قد يُفسَّر كإشارة سلبية للمستثمرين

فغياب التيار الكهربائي المنتظم، أو ارتفاع تكلفته، يشكلان عائقين مباشرين أمام المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء. وفي سوريا، حيث أُغلقت مئات المعامل وسُرّح آلاف العمال، لا يمكن تجاهل أن قرار رفع أسعار الكهرباء في هذا التوقيت قد يُفسَّر كإشارة سلبية للمستثمرين، خصوصاً في ظل:
• غياب ضمانات الاستقرار الطاقي: انقطاعات متكررة وتقنين غير متوازن.
• ضعف القدرة الشرائية: ما يحد من الطلب المحلي ويقلل من الجدوى التجارية للاستثمار.
وهذا يرتب ـ برأي د. قوشجي ـ آثارًا مباشرة على الإنتاج والتنافسية
• ارتفاع تكاليف الإنتاج: فالكهرباء عنصر أساسي في كل مراحل الإنتاج، وارتفاع سعرها ينعكس على أسعار السلع والخدمات، ويضعف القدرة التنافسية للمنتجات السورية في الأسواق.
• انخفاض هوامش الربح: خصوصًا في القطاعات الصناعية والزراعية التي تعتمد على الطاقة بشكل مكثف.
• تراجع ثقة المستثمرين: في ظل غياب رؤية واضحة لإصلاح قطاع الكهرباء، وغياب حوافز حقيقية للاستثمار في الطاقة البديلة.

بين الضرورة الهيكلية وسوء التوقيت

يرى الخبير الاقتصادي أنه وعلى الرغم من أن رفع أسعار الكهرباء قد يكون ضرورة هيكلية لإعادة بناء القطاع، إلا أن توقيته في ظل الانكماش الاقتصادي وتراجع الدخل الفردي يثير مخاوف حقيقية. فبدلاً من أن يكون محفزاً للاستثمار، قد يتحول إلى عامل طارد، ما لم يُرافق بسياسات داعمة تعيد التوازن بين كلفة الطاقة وجدوى الاستثمار.

 بيئة استثمارية أكثر توازناً

يجزم د. قوشجي بأنه ولتحويل الكهرباء من عبء إلى رافعة اقتصادية، لا بد من:
• وضع استراتيجية وطنية لإصلاح قطاع الكهرباء، تشمل الشراكة مع القطاع الخاص وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة.

مطلوب إعادة هيكلة الدعم ليكون أكثر استهدافاً وعدالة، دون أن يثقل كاهل الدولة أو يعيق الاستثمار

• تقديم حوافز ضريبية وتمويلية للمستثمرين في الطاقة والبنية التحتية.
• تحسين كفاءة الطاقة في المنشآت الصناعية والخدمية لتقليل الفاقد.
• إعادة هيكلة الدعم ليكون أكثر استهدافاً وعدالة، دون أن يثقل كاهل الدولة أو يعيق الاستثمار.
في النهاية، لا يمكن بناء اقتصاد مفتوح دون كهرباء مستقرة، عادلة التكلفة، وموثوقة التوزيع. فالكهرباء ليست فقط شرطاً للإنتاج، بل هي مؤشر على نضج البنية التحتية وجاذبية البيئة الاستثمارية.

خزام: تحضير سوق رابحة لبعض المبشرين بالأرباح الفاحشة لشركات خاصة محلية أو أجنبية

ومن هنا، فإن إصلاح هذا القطاع يجب أن يكون أولوية وطنية، لا عبئاً مؤجلاً.

اتهامات وظنون

 

من جانبه.. وجد مستشار وزير الاقتصاد والصناعة الخبير الاقتصادي جورج خزام، أن الغاية من مضاعفة أسعار الكهرباء هي تحضير سوق رابحة لبعض المبشرين بالأرباح الفاحشة لشركات خاصة محلية أو أجنبية للاستثمار في توليد الكهرباء و بيعها فهذا يعتبر كارثة مالية بحق السوريين.

واعتبر أن مضاعفة تعرفة الكهرباء هو تحضير لخصخصة قطاع الكهرباء حتى يصبح دخول شريك من القطاع الخاص يحقق أرباحاً فاحشة له و خاصة عند تركيب المستثمر لتوربينات هوائية يابانية أو ألواح طاقة شمسية تكلفة الكيلو واط فيها منخفضة جداً ليبيع الكهرباء بأضعاف تكلفة توليدها بالمقارنة مع تكاليف التوليد من المحطات الحرارية التي تعاني من الهدر و تقادم المولدات.

وجزم بأن مضاعفة تعرفة الكهرباء هو مقدمة لتضاعف أسعار كل البضائع و الخدمات و منها الإنترنيت.

 

تسرّع

باختصار يبدو بالفعل أن معالجة وضع الكهرباء في سوريا أمرًا حتميًا بالفعل، وهذا خيار باتجاه واحد أمام الحكومة، لكن قد تكون الأخيرة غير موفقة في اختيار آلية المعالجة و التسلسل الهادئ والتراكمي في المعالجة.. إضافة إلى أنها لم تكن موفقة في اختيار التوقيت المناسب لمعالجة أكثر الملفات حساسية في يوميات المواطن وإستراتيجيات الدولة.

وهنا يبدو من الحكمة إعادة المعالجة وفق برنامج زمني ومنهاج مدروس أكثر.

 

[ جديد الخبير ]