كشف الخبير الاقتصادي الدكتور أكرم حوراني، نائب عميد كلية الاقتصاد في جامعة دمشق، عن وجود فاقد هائل في العرض النقدي يتجاوز الـ 40 تريليون ليرة سورية، وهو رقم ضخم يثير قلقًا عميقًا بشأن مصير السيولة وغياب الرقابة المالية ومستقبل الاستقرار الاقتصادي في البلاد.
شريان السيادة
في تحليله، شبه حوراني، النقد بـ “الدم في جسد الإنسان”، وأن إدارة الكتلة النقدية هي تعبير عن السيادة، ما يضع ملف الأموال المفقودة في صميم القضية الوطنية.
وأوضح حوراني وفقاً لموقع الحل نت.. أن الزيادة في العرض النقدي بالبلاد خلال السنوات الماضية كانت مرتبطة بشكل مباشر بعجز الموازنة العامة، إذ تسببت بطباعة نقود بنسبة تقارب 90 بالمئة من هذا العجز، ما يجسد اعتمادًا كبيرًا على التمويل التضخمي، مشيرًا إلى أن حجم العرض النقدي الكلي كان يتراوح في السابق بين 70 إلى 100 تريليون ليرة سورية.
وقال إن المفارقة تكمن في تباين الأرقام الفعلية، مشيرًا إلى أنه بناءً على معلومات حصل عليها من “زملاء أصحاب اطلاع في الحكومة السابقة”، كشفت أن النقد المودع في المصارف لا يتجاوز نحو 20 تريليون ليرة، بينما يمتلك الجمهور ما بين 20 إلى 30 تريليون ليرة أخرى مكتنزة خارج القنوات المصرفية.
وأوضح أن هذا التباين يثبت وجود فاقد ضخم يتجاوز الـ 40 تريليون ليرة سورية، وهي أموال خارجة عن الدورة الاقتصادية الرسمية.
أموال هربت خارج الحدود
طرح الخبير الاقتصادي سؤالًا جوهريًا، متسائلًا أين ذهب هذا الفائض النقدي الهائل؟، مرجحًا في تحليله أن هذا الفاقد النقدي الضائع قد توزع خارج الحدود الوطنية، إما في دول إقليمية كـ العراق وقطر والسعودية والإمارات، أو هو متراكم بحوزة فاعلين إقليميين مثل حزب الله في لبنان.
من المرجح أيضًا أن يكون جزءًا كبيرًا من هذا الفائض يمثل نتاجًا لـ “الفاسدين من النظام البائد”، في إشارة إلى الأموال المهربة والمكتنزة بطرق غير نظامية، وتضع هذه التقديرات المؤسسات المالية في موقف حرج، مشيرة إلى فشل ذريع في الرقابة على حركة الأموال والكتلة النقدية على مدى العقد الماضي.
الإصدار الجديد
في سياق محاولاته لضبط الأوضاع النقدية، طرح المصرف المركزي خطة لإصدار عملة جديدة تتضمن حذف صفرين من الليرة الوطنية، وفي هذا الصدد، يرى حوراني أن هذه الخطوة تهدف إلى تقليص العرض النقدي ظاهريًا وتأتي في إطار معالجة التضخم المفرط وتسهيل المعاملات، إلا أنه وجه انتقادًا لاذعًا لآلية تنفيذ القرار وتوقيته.
قرار متسرع
اعتبر الخبير الاقتصادي أن قرار المصرف المركزي، الذي تم الإعلان عنه بأن الإبدال سيبدأ اعتبارًا من 8 كانون الأول، هو من “القرارات المتسرعة”، مؤكدًا أن مثل هذه الخطوات النقدية الاستراتيجية لا تتم إلا بعد “مراجعات عديدة” ودراسات مستفيضة للأثر الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد أنه بينما يصر المركزي السوري، على لسان مسؤوليه أن حذف الصفرين لن يمس القيمة الحقيقية أو الشرائية لليرة بل هو مجرد “إعادة ملاءمة شكلية” تبسط العمليات المحاسبية وتعزز الثقة النفسية بالعملة، إلا أن التحليل الاقتصادي يُشير إلى أن الخطوة ستظل شكلية ما لم تُعالج الاختلالات البنيوية في الإنتاج والجهاز المالي.
ورأى أن التحدي الأكبر لدمشق لا يكمن في شكل العملة أو قيمتها الاسمية، بل في كيفية إعادة جذب الـ 40 تريليون ليرة المفقودة إلى الدورة الاقتصادية، وتحقيق نمو إنتاجي يعيد التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية.
ويعاني الاقتصاد السوري من انكماش حاد، حيث تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 50 بالمئة منذ عام 2010 وفق تقرير البنك الدولي الأخير، كما أن قطاع الصادرات تراجع بشكل حاد تحت وطأة النزاع والعقوبات، وهو ما يشير إلى أن الضغوط على العرض النقدي ليست محلية فحسب، بل مرتبطة بضغط خارجي على الاقتصاد ككل، و بتجاذبات في الميزان التجاري.