تمر الدولة السورية الجديدة بمرحلة انتقالية شديدة الحساسية، حيث تتداخل الملفات الأمنية المعقدة مع طموحات إعادة الإعمار والانفتاح على المجتمع الدولي. وفي هذا الإطار، قدم ياسر النجار، المحلل السياسي ووزير الإسكان والإعمار السابق، قراءة شاملة للمشهد في حوار مع “عربي21″، مسلطاً الضوء على العقبات التي تعترض طريق الاستقرار.
تركة ثقيلة: مؤسسات منهكة وبنية تحتية مدمرة
وصف النجار الواقع السوري بأنه “بالغ التعقيد”، مشيراً إلى أن الحكومة الحالية لا تبني من الصفر، بل تتعامل مع حطام مؤسساتي خلفه النظام السابق.
الإهمال المتراكم: تعاني العاصمة دمشق وبقية المحافظات من تدهور حاد في قطاعات الكهرباء، المياه، والطرق التي لم تخضع لصيانة حقيقية منذ سنوات.
إنهاك المؤسسات: دخلت الدولة المرحلة الجديدة بجسد إداري “منهك” يتطلب ثورة في الحوكمة والإدارة.
هجوم تدمر: خرق أمني أم رسالة سياسية؟
حول الهجوم الذي استهدف قوات أمريكية في البادية السورية قرب تدمر، اعتبر النجار أن الحادث “تطور أمني خطير” يحمل بصمات خلايا تنظيم الدولة.
ثغرات البادية: تبلغ مساحة هذه المنطقة نحو 40 ألف كيلومتر مربع، وهي منطقة شبه خالية كان التحالف الدولي يتولى تأمينها لسنوات.
تأثير الغارات الإسرائيلية: أكد النجار أن الاستهداف الإسرائيلي المستمر لسلاح الجو والمنظومات الدفاعية السورية أضعف قدرة الدولة على ضبط المناطق النائية وتأمينها بشكل كامل.
تنسيق لم يكتمل: كشف النجار عن وجود “تحذيرات أمنية مسبقة” لم تتعامل معها قوات التحالف بالجدية المطلوبة قبل وقوع الحادث.
رد فعل ترامب: خطاب للداخل الأمريكي أم تصعيد مع دمشق؟
قلل النجار من شأن نبرة التهديد في تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مؤكداً أنها موجهة للرأي العام في الولايات المتحدة الذي يتحسس بشدة من إصابات الجنود. وأوضح أن القنوات الرسمية لا تزال ترسل إشارات إيجابية، بل إن الحادث قد يدفع نحو “تفاهمات أمنية أسرع” بين دمشق وواشنطن لمكافحة الإرهاب بفعالية أكبر.
استراتيجية إسرائيل: محاولات إبقاء سوريا في حالة “ضعف دائم”
يرى النجار أن إسرائيل تتبع سياسة ممنهجة لإنهاك سوريا، حيث نفذت مئات الغارات لتدمير 80% من القدرات الجوية السورية. الهدف برأيه هو:
منع سوريا من التحول إلى قوة إقليمية مستقرة.
عرقلة التقارب السوري الأمريكي، والضغط في الكونغرس لمنع إلغاء “قانون قيصر”.
إبقاء دمشق منشغلة بالأزمات الداخلية لمنعها من مواجهة المشاريع الانفصالية.
إعادة الإعمار: من المساعدات إلى “الشراكات الاستثمارية”
في ملف الإعمار، يرى النجار أن التحدي الأكبر يكمن في تأمين عودة اللاجئين والنازحين، وهو أمر مستحيل دون سكن وخدمات تعليمية وصحية.
فلسفة جديدة: الحكومة السورية لا تطلب “إعانات”، بل تسعى لجذب استثمارات دولية كبرى، خاصة مع بدء عودة النشاط الصناعي في حلب.
عامل الوقت: يرى النجار أن سوريا قادرة على اختصار الزمن عبر الاستفادة من الخبرات السورية المهاجرة وتطبيق نماذج حوكمة عالمية.
سوريا كحلقة وصل إقليمية
ختم النجار رؤيته بالتأكيد على أن الموقع الجغرافي لسوريا يؤهلها لتكون “عقدة مواصلات وطاقة” بين ثلاث قارات. فإذا ما رُفعت العقوبات وحصلت الدولة على الدعم الكافي، فإنها قادرة على التحول إلى نموذج تنموي رائد في المنطقة خلال سنوات قليلة.