تعيش دول الخليج لحظة مفصلية في مسارها الاقتصادي، إذ تواجه تحديات متزايدة بفعل تراجع أسعار النفط، المورد الأساس لإيراداتها العامة.
وبينما تتداول أسعار الخام حول مستويات تراوح ما بين 60 و65 دولاراً للبرميل، تتصاعد المخاوف من اتساع العجز في الموازنات الخليجية، بخاصة في ظل استمرار الضغوط العالمية وتباطؤ النمو في الاقتصادات الكبرى.
هذا الواقع يفرض على دول المنطقة تسريع وتيرة الإصلاحات الاقتصادية، وتعزيز خطط التنويع بعيداً من النفط، لضمان استدامة مالية لا ترتبط بتقلبات سوق الطاقة، وفي السياق يُطرح سؤال جوهري: هل تنجح جهود التنويع الاقتصادي في امتصاص صدمة تراجع أسعار النفط وحماية موازنات الخليج من الأزمات المقبلة؟
أكد محللون لـ”اندبندنت عربية” أن تراجع أسعار النفط يشكل تهديداً كبيراً لموازنات دول الخليج في 2025، إذ أشاروا إلى أن الدول المنتجة للنفط ستجد نفسها مضطرة إلى تبني سياسات مالية مرنة للتعامل مع ضغوط العجز المتزايدة.
وأوضح المحللون أن تراجع الإيرادات النفطية يدفع نحو تسريع تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي، مع التركيز على القطاعات غير النفطية لضمان الاستدامة المالية في المستقبل.
وأشار المحللون إلى أن أسعار النفط شهدت تراجعاً ملحوظاً لتتداول حول مستوى 60-65 دولاراً للبرميل، مما يعكس مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي. وعلى رغم أن الأسعار لا تزال قريبة من مستوياتها التي كانت عليها في بداية العام، فإن حال عدم اليقين السائدة تؤثر بصورة كبيرة على المستقبل القريب للنفط، مما يضع مزيداً من الضغوط على موازنات دول الخليج.
عجز متوقع
من جهته أصدر صندوق النقد الدولي في تقريره الأخير تقديرات تشير إلى أن بعض دول الخليج قد تواجه عجزاً في موازناتها إذا استمرت أسعار النفط في الخفض.
وتقدر المؤسسة الدولية أن عجز موازنات دول الخليج قد يصل إلى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمال عام 2025 إذا استمرت الأسعار على مستوياتها الحالية، وأشار إلى أن هذه الدول قد تحتاج إلى مزيد من الإصلاحات المالية وإعادة هيكلة الاقتصاد لضمان استدامة الموازنات العامة.
أخطار ائتمانية
على ذات الصعيد أشارت وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني في تقريرها الأخير إلى أن التراجع المستمر في أسعار النفط قد يضغط على التصنيف الائتماني لدول الخليج. وأضافت “فيتش” أن بعض الدول قد تواجه صعوبة في تلبية حاجاتها المالية الأساسية إذا لم تتمكن من تسريع تنفيذ مشاريع التنويع الاقتصادي. وأوضحت أن انخفاض الإيرادات النفطية يمكن أن يؤدي إلى زيادة العجز المالي في بعض الدول، مما يتطلب إعادة التفكير في استراتيجيات الإنفاق الحكومي.
أما وكالة “موديز” للتصنيف الائتماني فأكدت في تقريرها الأخير أن تراجع أسعار النفط قد يؤدي إلى تدهور الوضع المالي في بعض دول الخليج على المدى القريب.
وعلى رغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد فإن “موديز” أشارت إلى أن الاعتماد على النفط يبقى أحد العوامل الرئيسة التي تؤثر في استقرار هذه الدول المالي.
وأضافت الوكالة أن الإصلاحات المالية والهيكلية يجب أن تتسارع لمواجهة التحديات الناجمة عن خفض الإيرادات النفطية، وأن استدامة النمو الاقتصادي تتطلب تقليل الاعتماد على النفط وتعزيز القطاعات الأخرى.
اقتصاد غير نفطي
بدوره أكد وزير البترول المصري السابق أسامة كمال أن دول الخليج تواجه تحديات كبيرة بسبب تراجع أسعار النفط. وأشار إلى أن هذه الدول في وقت تستمر فيه في الاعتماد على الإيرادات النفطية، فإن التحولات الاقتصادية العالمية، مثل تباطؤ النمو في الصين وأوروبا، تضغط على هذه الإيرادات، مما يستدعي ضرورة تسريع خطط التنويع بعيداً من النفط لتخفيف الأخطار المالية المستقبلية.
صعوبة تحديد توقعات دقيقة
من جانبه أكد الاقتصادي علي حمودي أن التذبذب في أسعار النفط يجعل من الصعب على دول الخليج تحديد توقعات دقيقة لموازناتها، وأشار إلى أن أسعار النفط الحالية لا تكفي لتحقيق توازن مالي في عديد من دول الخليج، لذلك يجب أن تكون هناك استراتيجيات مرنة لمواجهة هذا التحدي، بخاصة في ظل ضعف الطلب من أكبر الأسواق المستهلكة.
وشدد الباحث المتخصص في الاقتصاد الكلي وعضو جمعية الاقتصاد الأميركية علي الحازمي على أن التحديات المالية التي تواجه دول الخليج في 2025 ستظل متمثلة في تذبذب أسعار النفط، على رغم الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، مؤكداً أن الإيرادات النفطية تبقى المصدر الأهم الذي يعزز موازنات هذه الدول.
وأوضح الحازمي أنه على دول الخليج أن تستعد لتقلبات السوق التي قد تؤثر بصورة كبيرة على استقرارها المالي.
ضغط الأسعار
ومن جانبه قال المدير التنفيذي لشركة vi markets في مصر أحمد معطي إن استمرارية الضغط على أسعار النفط سيعني أن دول الخليج في حاجة إلى الاستمرار في تحسين سياساتها المالية والتنوع الاقتصادي وتوسيع القطاعات غير النفطية سيكونان المفتاح لضمان عدم حدوث صدمات مالية مستقبلية.
تقلبات الأسواق
وقالت المتخصصة في الشأن الاقتصادي ومحللة أسواق الطاقة وفاء علي إن الأسواق العالمية اليوم تتسم بالتقلبات، وهي ليست في صالح دول الخليج التي تعتمد بصورة رئيسة على النفط. وأشارت إلى أنه من أجل الاستمرار في تحقيق النمو، يجب على هذه الدول التركيز على القطاعات الأخرى مثل التكنولوجيا والطاقة المتجددة والسياحة.
التنويع أمر لا بد منه
بدوره قال استشاري الطاقة وعضو مجلس الطاقة المستدامة محمد سليم “تواجه دول الخليج ضغوطاً مالية جراء خفض أسعار النفط، مما يعزز الحاجة إلى تعزيز التنويع الاقتصادي بصورة أسرع وأكثر فاعلية. تنويع الاقتصاد وتطوير القطاعات غير النفطية أمر لا بد منه إذا أردنا ضمان استقرار طويل الأجل”.
خطوات عملية
وأشار الاقتصادي وائل الصاوي إلى أن التحديات التي تواجه أسواق النفط اليوم تتطلب من دول الخليج اتخاذ خطوات عملية وجذرية لمواكبة المتغيرات العالمية، مشيراً إلى أن استراتيجيات التنويع الاقتصادي في قطاعات مثل الطاقة المتجددة هي الحل الأمثل لتقليل الاعتماد على النفط.
الأسعار غير كافية
بدوره أكد المستشار المالي محمود عطا أن “الأسعار الحالية للنفط لا تزال غير كافية لدعم الموازنات الحكومية في دول الخليج. تراجع الطلب على النفط من الاقتصادات الكبرى يزيد من تعقيد الوضع، مما يجعل الحاجة إلى التنويع الاقتصادي أكثر إلحاحاً”. فيما أشار الاقتصادي والسلع العالمية طاهر مرسي إلى أنه في ظل تراجع أسعار النفط على دول الخليج أن تكون جاهزة لاستراتيجيات اقتصادية مرنة، بخاصة في قطاع الطاقة المتجددة. وأكد أن هذا يتطلب منها تسريع تنفيذ مشاريع الطاقة البديلة، إضافة إلى تطوير الصناعات غير النفطية.
بدوره أوضح مستشار الأسواق العالمية محمد مهدي عبدالنبي أن دول الخليج تواجه تحديات كبيرة في ما يتعلق بموازنتها العامة، بخاصة إذا استمرت أسعار النفط في الخفض. وأكد أن تحسين التنوع الاقتصادي سيكون العامل الأساس لضمان الاستدامة المالية، وأنه يجب على دول الخليج أن تسرع في مشاريعها الاقتصادية البديلة لضمان مواجهة أي صدمات اقتصادية مستقبلية.
الطريق إلى المستقبل
في النهاية فإن تأثير تراجع أسعار النفط في موازنات دول الخليج يمثل تحدياً كبيراً، ويستدعي تنفيذ سياسات مالية مرنة وسريعة، وبينما تبقى أسعار النفط أحد العوامل الأساسية في تحديد قوة الاقتصاد الخليجي، فإن التنويع الاقتصادي والتحول إلى مصادر دخل غير نفطية أصبحا أمرين لا غنى عنهما لضمان استدامة الموازنات في السنوات المقبلة.