كثيرون من المعنيين بدؤوا ينتهجون السير في ركب موضة “الترند” والانسياق وراء مواقع التواصل الاجتماعي وما تشهده من فوضى في النشر وغياب للرادع الأخلاقي أو المهني، ليصبح عمل المؤسسات أسيراً لما تنشره الصفحات من مقاطع سواء كانت بغاية الإشارة إلى مكامن الخطأ أو التشهير وحرف الحقيقة .
إرضاء المهووسين
ومع هذا الهيجان “الفيس بوكي” غير المسبوق يدفع القطاع التربوي الضريبة الأكبر لاسيما أن المعلم يكون في أغلب الأحيان الحلقة الأضعف وما حصل مؤخراً في إحدى مدارس ريف دمشق بإعفاء مديرة مدرسة من منصبها بعد أن نشرت صفحات التواصل مقطعاً يظهر ضربها لطالب.
تربويون انقسموا مابين مؤيد ومعترض على قرار مديرية التربية والتعليم في ريف دمشق، إذ أكد مدافعون عن المديرة أن الانجرار خلف صفحات التواصل ومحاولة المعنيين إرضاء غرور المهووسين واللاهثين لكسب مشاهدات وتحقيق “ترند” على حساب سمعة المعلم والتعليم ، معتبرين أنه من الخطر على مستقبل العملية التربوية أن السماح لهؤلاء بضرب الصورة الجليلة للمعلم والتشويش على العملية التربوية من قبل ضعاف النفوس، وجر البعض بقصد أو بغيره لكسر صورة المعلم “المربي” من وذلك بالاعتداء على هذا الرمز التعليمي والتربوي والاجتماعي الذي كان في الأساس وجهاً اجتماعياً ينظر له نظرة هيبة لا تخلو من الرهبة.
في الوقت الذي اعتبر تربويون أن الضرب يؤدي إلى الأذى الجسدي المباشر في بعض الأحيان، إضافة إلى الاضطرابات السلوكية واضطرابات القلق، والاكتئاب، واليأس، وانخفاض احترام الذات، وإيذاء النفس ومحاولات الانتحار، والإدمان على الكحول والمخدرات، والعداء وعدم الاستقرار العاطفي، والتي تستمر حتى مرحلة البلوغ”.
وتؤكد أبحاث أن التعنيف والعقوبات البدنية تدفع إلى التسرب من المدارس وانخفاض النجاح الأكاديمي والمهني، إضافة إلى ضعف التمسك بالأخلاق وتزايد السلوك المعادي للمجتمع وزيادة العداونية لدى الأطفال وارتكاب البالغين لسلوكيات عنيفة ومعادية للمجتمع وإجرامية.
بيان مبشر
ومع هذا التباين بالآراء يأتي بيان نقابة المعلمين في سوريا رداً على الحادثة مبشراً وداعماً لكرامة المعلم، إذ أوضح البيان على لسان نقيب المعلمين محمد حسن مصطفى تابعت بأسفٍ كبير ما جرى في إحدى مدارس ريف دمشق، وما رافقه من تداولٍ لمقطعٍ مصوّرٍ أظهر الزميلة مديرة المدرسة بطريقة تمسّ خصوصيتها وتسيء إلى سمعة الكادر التربوي، مؤكداً رفض النقابة لأي سلوك يتنافى مع القيم التربوية والمبادئ الأخلاقية للعمل التعليمي، فإنها في الوقت ذاته ترفض أسلوب التشهير والنشر العلني الذي يسيء إلى المعلم والمؤسسة التعليمية، وتعدّه انتهاكاً للخصوصية ومساساً بكرامة المهنة وهيبة المدرسة.
وبين نقيب المعلمين أن النقابة قامت بتوكيل محامٍ لمتابعة القضية والدفاع عن الزميلة، انطلاقاً من واجبها في حماية أعضائها وصون حقوقهم القانونية والمهنية.
وطالب نقيب المعلمين بتشريع واضح وصريح يضمن حصانة المعلم، ويكفل له الحماية القانونية من الإساءة والتشهير والاعتداء أثناء تأدية واجبه التربوي، تأكيداً على أن هيبة المعلم جزء لا يتجزأ من هيبة الدولة والمؤسسة التعليمية. كما تؤكد النقابة أن أي ملاحظات أو مخالفات يجب أن تُعالَج ضمن القنوات الإدارية والقانونية المختصة، بعيداً عن النشر غير المسؤول الذي يسيء إلى الأفراد والمؤسسات التربوية على حدّ سواء.
وجدد نقيب المعلمين وقوف النقابة إلى جانب كوادرها التعليمية كافة، ودعمها الكامل لكل ما يصون كرامة المعلم، ويرسّخ قيم الاحترام المتبادل والتعاون البنّاء داخل الميدان التربوي.
وبدورها وزارة التربية والتعليم لم تقف مكتوفة الأيدي،إذ أصدرت تعميماً على مديريات التربية والتعليم يقضي بوقف العمل بأي نموذج استجواب لا يتضمن توقيع ممثل نقابي معتمد، وعدم إجراء أي تحقيق أو استجواب دون حضور ممثل نقابة المعلمين المختص.
المدرس القدوة
في حين يشدد خبراء تربويون على ضرورة تحديد موضوعي لمواقع عمل المدرسين يراعى فيه القدم الوظيفي والكفاءة وتأمين سيادة القانون، مع خلق علاقة إيجابية تقوم على التفاعل الحر بين المدرس والطالب والتنسيق الإيجابي بين الأسرة والمدرسة.
وتساءل خبير تربوي: كيف يحصل المدرس على هيبته من تلميذ محتاج إليه كل أول شهر لإعطاء الدروس الخصوصية.؟ مما يتطلب تحسين الوضع المعيشي للمعلم بحيث يستغني عن الدروس الخصوصية، في الوقت الذي لم يغفل الخبراء ضرورة احترام المدرس لنفسه أمام تلاميذه، وأن يكون صاحب شخصية ثقافية تعليمية تعي دورها في تكوين شخصية الطلاب ودورها في إعداد قيادات المستقبل، ومن ثم يعود المدرس القدوة لتلاميذه مرة أخرى كما كان في الماضي.