تشهد سوريا أزمة كهرباء خانقة، إذ تغرق معظم المناطق من دمشق إلى درعا في الظلام بمجرد غروب الشمس، باستثناء بعض أعمدة الإنارة والمآذن وأضواء المركبات، وفقًا لما ذكرته وكالة أسوشيتد برس. وتشير التقديرات إلى أن أكثر من نصف شبكة الكهرباء السورية تضررت بفعل الحرب، ما أدى إلى تراجع ساعات التزويد اليومي إلى ما بين ساعتين وأربع ساعات فقط في مختلف المحافظات.
انهيار البنية التحتية يؤثر على الحياة اليومية
تعاني ملايين الأسر السورية من صعوبة في تلبية احتياجاتهم الأساسية بسبب الانقطاعات الطويلة، والتي تؤثر سلبًا على قطاعات الصحة، التعليم، الأمن الغذائي، والاتصالات. وتشير بيانات المفوضية الأوروبية إلى أن مستوى الإضاءة الليلية، الذي يُستخدم كمؤشر للنشاط الاقتصادي، انخفض بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.
استثمارات دولية لإنقاذ قطاع الكهرباء السوري
في خطوة لتعزيز قدرات الطاقة، وافق البنك الدولي في 25 يونيو 2025 على تقديم منحة بقيمة 146 مليون دولار لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء وتطوير قطاع الطاقة في سوريا.
من جانبها، أعلنت تركيا عن خطط ضخمة لاستثمار مليارات الدولارات في مجال الطاقة والغاز الطبيعي داخل الأراضي السورية. وقال وزير الطاقة التركي، ألب أرسلان بيرقدار، إن تركيا تهدف إلى رفع عدد ساعات الكهرباء اليومية إلى 12 ساعة، مشيرًا إلى أن التصدير المرتقب للغاز إلى سوريا سيُضاعف من إنتاج الكهرباء في المحطات السورية.
مشاريع الربط الغازي وتوسيع الشبكات
أوضح الوزير التركي أن بلاده أنهت بناء خط أنابيب غاز بين كيليس وحلب في مايو الماضي، على أن يُفتتح خلال صيف 2025، بهدف تغذية محطات التوليد في شمال سوريا.
وفي سياق متصل، أعلنت سوريا عن استقبال سفينتين لإنتاج الكهرباء من تركيا وقطر، توفران 800 ميغاواط من الطاقة، حسبما نقلته وكالة سانا عن مؤسسة الكهرباء السورية. ورغم عدم تحديد موعد التنفيذ، إلا أن المشروع يُعد خطوة مهمة نحو تعزيز التزويد الكهربائي في البلاد.
اتفاقية شراكة استراتيجية بقيمة 7 مليارات دولار
في 29 مايو 2025، وُقّعت واحدة من أضخم اتفاقيات الطاقة في تاريخ سوريا، بمشاركة شركات تركية وقطرية وأميركية. وبحضور الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الطاقة محمد البشير، أُعلن عن مشروع لإنشاء محطات كهرباء تعمل بالغاز الطبيعي بقدرة 4,000 ميغاواط في مناطق تريف، زيزون، دير الزور، ومحردة، إلى جانب محطة طاقة شمسية بقدرة 1,000 ميغاواط في وديان الربيع.
وصرّح كريم الجندي، الرئيس التنفيذي لمعهد كاربون، أن هذه المشاريع سترفع القدرة الإنتاجية للطاقة في سوريا من 2 غيغاواط حالياً إلى 7 غيغاواط، وهو ما يعادل تقريبًا الطاقة المتوفرة قبل عام 2011.
تركيا تسعى لتوسيع نفوذها في سوق الطاقة السوري
بحسب تقارير صادرة عن مراكز أبحاث أوروبية، فإن أنقرة تنظر إلى مشاريع الكهرباء في سوريا كجزء من استراتيجيتها الإقليمية في قطاع الطاقة. وتطمح لتكرار نموذج “أمن الطاقة” الذي اعتمدته في مناطق الشمال السوري، وتوسيع نفوذها في شرق المتوسط، لا سيما بعد استبعادها من منتدى غاز شرق المتوسط الذي يضم مصر، إسرائيل، قبرص، واليونان.
العقوبات الغربية تُعيق تنفيذ مشاريع الطاقة
رغم الزخم الاستثماري، تُواجه مشاريع الطاقة في سوريا تحديات قانونية وتمويلية بسبب استمرار العقوبات الدولية المفروضة منذ عام 2011. وأوضح أوغوزهان أكينر، رئيس مركز TESPAM التركي، أن جميع التحويلات البنكية إلى سوريا تخضع للرقابة، ما يجعل تنفيذ المشاريع معقّداً حتى مع توفر التمويل من دول داعمة كقطر أو الإمارات.
وأضاف أن تصدير المعدات أو حتى محولات الكهرباء يتطلب ضمانات بنكية غير متوفرة بسبب العقوبات المفروضة على البنوك السورية، بما فيها البنك المركزي.
رفع جزئي للعقوبات الأميركية… ولكن بحذر
في تحول لافت، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في زيارة إلى السعودية بتاريخ 13 مايو 2025، عن رفع جزئي للعقوبات المفروضة على سوريا، مشيرًا إلى أن القرار جاء بتشجيع من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ورغم بدء تخفيف العقوبات منذ نهاية مايو، إلا أن إزالة جميع القيود يتطلب موافقة الكونغرس الأميركي، وهو ما قد يُؤخر تنفيذ المشاريع الكبرى.
ختامًا: الكهرباء مفتاح الانتعاش الاقتصادي في سوريا
مع تدهور البنية التحتية وفقدان أكثر من 90% من السوريين لمصادر دخل مستقر، فإن إعادة بناء قطاع الكهرباء تمثل حجر الزاوية في إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. لكن هذا الطموح يظل رهناً بتخفيف العقوبات الدولية، وضمان بيئة آمنة وجاذبة للاستثمار.